لأننا قررنا التعايش مع الغيم الأسود

موقع الكتابة الثقافي art 10
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أسماء علاء

نعم يقف غرابان بنافذتنا. لم يهدأ صراخك حين وقفا بالخارج يحدقان إلينا عبر الزجاج، كما لم تتوقف لأنني أشحتُ بالنظر عنك وفضلتُ مراقبتهما. إني فقدتكُ بالفعل، فلمَ أخاف؟ حين كنا نتجادل، كنتُ أُوجد كل طاقات الهدوء في حلقي كي لا أرد انفعالك بانفعال، لأنني أكره الصوت العالي وأخشى أن يطغى على صوتي أنا، ولأن معك يتعمق الخوف في روحي أن تعطيني ظهرك وترحل.

غادر الغرابان، ثم حلا مجددًا، لكنني نسيتهما ونسيتُ نافذتنا والبرودة بالخارج وجلستُ هادئة أحدق في عينيك وأستمع إليك. كيف تصف أشياءً ومطارحًا لا تعرفها؟ لا تزين المشاعر بما وجدته في أفلامك المفضلة، ولا تضع تاجًا لملكة لم تراها ينبغي لها أن تتصرف على نحو ما لأن كل المؤثرات حولنا تخبرنا بذلك. أحقًا لم يدق الحب دارك؟ أم فعل ونسيت، أم تجاهلته لأن الأب قال كذا، والفنان قال كذا، والمجتمع قال كذا، والكتب قالت عكسهم، ومحسنات الصور في كل مكان تخبرنا عما يجب أن تكون عليه الأشياء والأحداث والأشخاص؟

في أول لقاءٍ لنا امتزجنا بلا حاجة للمحاولة رغم تكشف كل شيء منذ اللحظة الأولى. لا تشبهني في شيء ولا أشبهك في شيء، لكننا نتقارب ونتجاذب ونتشارع ونجد كل ذلك مثيرًا، لأنني أتحداك ولأنك تتحداني. وقفنا بعد تمشية طويلة أمام بركة مياه، ففكرتُ في الرجل الذي خرجتُ معه في موعدٍ منذ شهرين ولم يرق لي، ثم فكرتُ بك كأنك غائب رغم حضورك الطاغي. جذبني ما نختلف فيه، لأن اختلافنا هذا منح روحي يدًا، يدك أنت كي لا تعبر وحيدة، أما الرجل الثاني ولأنه يشبهني إلى حدٍ كبير فقد عبر كل منا النهر وحيدًا رغم أننا كنا معًا. لكنك أنت، تقرر أن تفتح لروحي المنفردة زاوية جديدة في السماء، وتمنح يدي الباردة ما ينقصها من ضوء.

بعد انتهاء موعدي الماضي مع هذا الرجل، شعرتُ في نهاية اليوم أننا ميتان لأن لا أحد منا استطاع أن يرسم صورةً في ذهن الآخر، صورة يأخذها معه عندما نرحل عن الأماكن والزمن. وتذكرتُ كيف بكيت في الليلة التالية لأنني مللتُ الآمال الفاشلة، ولأنني أدركتُ فجأة أنني خسرت الكثير ولم تعد لدي طاقة للبحث. لكنني غادرتُ موعدنا بروحٍ جديدة، وعالم يُخلق في داخلي، ولم أعرف ماذا أفعل بهذه الثورة التي قامت لأنها غريبة عني كالأرض الثابتة التي غزاها الزلزال فجأة.

في صوتي هدوء لكن الحياة تنبتُ في صوتكَ أنت، والحياة مستمرة مُحتملة في وحدتي، لكنك تعيد ترتيب العالم حين تقف أمامي، وقد تبدو مشاعري جافة وباردة حتى في الشمس لكنك تراها كما لا أستطيع أن أعبر عنها، وفي قلبي رغبة وجدتُ مثيلتها في قلبك وهكذا قررنا أن نمضي قدمًا معًا هذه المرة. أليس هذا كافيًا؟ أم سنظل نعود إلى نظريات الحب ومعابد الغرام التي شيدها آخرون، كي نصف ما بيننا؟ كي نجد حلًا للخلافات بيننا؟

لعنتَ السكوت وقمتَ لتنعق في وجه الغرابين، ثم هممتَ بمغادرة الغرفة وآثرتَ الصمت رغم محاولاتي لتذكيرك بأن حديثنا لم ينتهِ. غادرتْ الليلة وحل الصباح ولا أثر لك في المنزل، ولا لسيارتك في الخارج والنافذة على حالها بلا غرابين هذه المرة. تهرب لأنك لا تريد أن نختلف، ولأنك لا تؤمن بالخلافات، لكنني أفعل فتمتد مسافة بيننا حيثما لا أفهم صوتك ولا أنت تتلقى صوتي.

تتزاحم الأفكار في عقولنا، عقلي أنا بالذات لأنني طورت خوفًا من رحيل الآخرين. نعم صرتُ أخاف، لكنك لا تفهم ذلك رغم أنني ألمحت لك. أحيانًا أقول لك هل تفعل هذا أم لا إن كنتَ تريد أن تبقى معي، فيصلك تهديدًا بالرحيل. وكل ما أريد قوله لا ترحل أرجوك، وإن كنتَ ستفعل فلترحل الآن قبل أن تتكامل القصة بيننا أكثر من ذلك، هل تفهم ما أعنيه؟

ولأنك تكره العودة إلى أماكن الخلاف وتريد أن تردم المسافة بيننا عبر ابتسامة وكلمة حب دون أن ننهى ما بدأناه، قررتُ أن أدعوك للقاءٍ خارج منزلنا. تركتُ لك رسالة، وقلتُ قابلني عند المسجد ذي القبة الزرقاء، فوافقتَ بعد ساعتين من انتظار اطلاعك على دعوتي.

كلانا حضر بوجه متجهم مترقب، تبادلنا تحيات الصباح ثم طلبتَ مني طمأنتك على حالي كأنك لم تراني منذ زمن. علا صوتك بعد قليل لما أتينا على ذكر جدالنا السابق وكالعادة فشلنا في التواصل جيدًا. لم تفلح دعوتي لتغيير الأماكن إلى محلٍ جديد، ما زلنا غير قادرين على مناقشة ما بيننا من خلاف.

عليك أن تقبل تموجات الحياة وتقلبات المشاعر، وعليّ أن أواجه خوفي من فقدانك والبحث عن ثقتي في وجود عُمر لما بيننا. عليك فقط أن تنظر لي، وعليّ أن أكف عن انتظار اليوم الأخير والكلمة الأخيرة. عليك أن تسامحني لأنني فقدتُ أعزاءً كثر وتخليتُ عن غيرهم، وعليّ أن أسامحك على رغبتك إما في الهروب أو الدفاع عن نفسك بالهجوم بدون وجود داعٍ لذلك.

بعد البرد أشرقت الشمس من جديد وجاء صوتك يطلب أن ننسى ما حدث رغم أنني كنتُ أفكر في هدنة فقط. وفي ثانية واحدة، بدلتَ الغيم الأسود في سمائنا وتركتَ الطيور تسافر وعبر على وجهينا رذاذ الموج رغم أننا بعيدين عن البحر.

لقد انتهت الكثير من قصصي حتى أمست النهايات لي كل ما أنتظره من قيامة أي شيء. لكنك تتنكر للنهاية بيننا، وتُنكر أفكاري حين يعبر الغيم الأسود، وتظل بانتظاري حتى لو غادرتَ المنزل، حتى لو لم تترك رسالة، حتى لو بدوتَ غير عائدٍ في نظري. أما أنت، فما زلتُ أجهل ما يجرحك، لكنني قررتُ أن أكف عن كتابة نهايتنا وانتظارها، وقررتُ أن أبحث في روحك، فهل تسمح لي؟

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

قلب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون