لأنك أنتِ.. أنا

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شعر : أحمد البنداري *

(16)

أعلم أنكِ تُحبين الأطفال كثيرًا

وتراقبينهم من خلف النافذة ..

الوحيدة المتاحة

وأعلم أن شيئًا ما

في عيون ذلك الصبي البعيد

يُلامس شيئًا ما

في عينيكِ .

أعلم أن قلبك بوابة للجائعين

وأعلم أن الجائعين

يحاولون الآن في كدحٍ

كسر سورٍ من الأسمنت

والظمأ .

 

(17)

تتسع عيوني

لتكون قادرةً

على استيعاب نافورة الشمس

التي تتساءل الآن حتمًا

عن سر بقائي وحيدًا .

 

( 18)

بالأمس كانت الجلسة

على المقهى

مزيفةً

وكانت الشوارعُ

مزيفة

وكان الماشون في الشوارع

مزيفين .

وكان حديثنا لغوًا

وكان لغونا أفيونًا

وكان أفيوننا

هو التعب

والسفر

ورغبة في الاندثار .

وكنتُ أريد الهروب مني

وكنت أريد الرجوع إليكِ

فاجأني شعُورٌ..

بأن اللحظة لن تنتهي

وبأن منزلاً ما

من المنازل التي تعتصرنا

سيرتشق رُمحًا

ويُنهي كل شيء

نظرتُ إلى الأكواب الفوضوية

على الطاولة

فرأيتكِ تبتسمين .

 

(19)

واقفًا على تُخُوم المدينة

أنتظر شيئًا ما

يحدث بداخلي طوال الوقت.

شيء أفهمه جيدًا

أعرف طعم رائحته

ورائحة صوته

وصوت صمته

وأعرف معنى انتظاري له

ولكنني لا أعرف

متى سيجيء .

 

(20)

لماذا يُسممون الحقول..

إذن

ويتآمرون لتغيير مسارات الطيور؟

لماذا كل هذا الضجيج؟

إن للوقت ما يكفيه

من الضجيج

واللزوجة

والانهيار .

 

(21)

تُصر الشمس

على ألا ترحل

أنتظر الليل

وأنتظر انتهاء الليل

أشعر أني من ألف سنة

أنتظر

وأشعر أن فُتُورًا ما

قد انتاب العلاقة

ما بين الكرة الأرضية

والشمس .

فنجان آخر من القهوة

هو ضروري الآن

طعمُها مُر بدونك

ولكني سأشربها

يؤسفني طعم المرارة

في حلقك .

 

( 22)

كيف يمكن لإنسان

أن ينام في هذا العالم؟

ومن أن يأتي الناس ..

بهذه القدرة على الكلام

طوال الوقت؟

وكيف تتحمل الأشياء التنصت

طوال الوقت أيضًا؟

(23)

تُرى..

لو حدث أنني نمت الآن

في أي عصر سأفيق؟

وبأي شيء سأحلم؟

ربما سأحلم بطفلة

تلح على أن أصطحبها معي

في كل مكان

ربما سأراها تكبر

كل يوم أمامي

وستعجبني أسئلتها المُلحة

وإصرارها على أن تعرف أشياءً

لا أعرفها .

ربما سأُهديها قطة

يومًا ما

ومن المؤكد أنني

سأحب قطتها

ومن المؤكد أن القطة

ستُقربنا أكثر .

ربما سأحلم

أن طفلتي أصبحت

وردةً

وأن الوردة تفرعت

شجرةً

وأن الشجرة

قد تخشبت في دمي .

ولكنني

لن أنام

أخاف أن تنتهي القصة

نهايةً مزعجة .

 

(24)

ما كل هذا الشحوب

بوجهي؟

وكيف انتقل هذا اللون الغامق

من منتصف عيني

إلى أسفلها

وإلى المدى

خارج النوافذ والأبواب؟

تبدو السماء

كامرأة عجوز

تتهيأ للبكاء

هل من مطر في أغسطس؟!

 

(25)

لا أملك إلا الانتظار

رغم شعوري

بأن الدخان

يُطرد بهمجية بقايا الهواء

إلا أني لا زلت أتنفس

لا أملك إلا أن أتنفس .

 

 (26)

كيف يُمكن لإنسان

أن يعيش

وسط كل هذا الركام

من القصاصات

والنبوءات

والأحلام المعلقة على الجدران؟

لكن شيئًا وحيدًا

يحدث الآن

ربما تصالحت الكرة الأرضية

مع الشمس

أخيرًا

وقررت إتمام دورتها .

( 27)

يخطو نحوي

صديقي الطيب

أحب قدومه

إن قدومه يعني

أن شيئًا آخر سيحدث

وأن الدنيا

تبدل فساتينها الآن

وأن بعضًا من اللهيب

الذي في دمي

ربما يخجل قليلاً .

لكن صديقي الطيب

يأتي هذه المرة مُنهكًا

متوكئًا على عصاه بقوةٍ

هو حتمًا سيأتي

هو لا يملك إلا أن يأتي

وأنا حتمًا

لا أملك أن أقابله

في منتصف الطريق .

 

(28)

( أيها المتأرجحون على المشانق

طوعا

لا تفهموني

أدركوا حجم البراءة

في عينيها

واتركوني )

 

(29)

لا زلتِ تصرين

على نفس الطقوس

والأسئلة .

ستضعين يدك على جبهتي

وستمررين نورا

لا أعرف مصدره

في أوردتي .

وتسألينني

ماذا أكلت

وماذا شربت

ولماذا لم أنم .

وتستنكرين شحوبي

وإعيائي

وترقصين كالعادة

رقصة دائرية

في قلبي

وتطلبين مني أن أنام .

وسيضحكني طلبك جدا

فأٌسمعك نفس الأغنية

وأشرب نفس القهوة

بنفس الطريقة

ونفس السكر

ونفس الحنين .

(30 )

كيف سقط الرجل الطيب

على الأرض هكذا فجأة ؟

كيف يمرون عليه

بأحذيتهم

فلا يصرخ أو يستغيث ؟

الرجل يحاول

وهم يمرون

والدخان الذي يطرد الهواء ..

بهمجية

يحاول أن ينهي اللعبة لصالحه

وأنا أحاول أن أفتح نافذة

علها تهزم الدخان

علها تنقذ الرجل الطيب .

وبينما يتسارع الإيقاع

تتصارع كل المفردات ..

تحاصرني

الوردة / البحر

اللغة / الروح

الشجرة / الموسيقى

القهوة / الأفيون

الشمس / الدخان

الكتان / النور

الخنجر

أحتاج إلى بعض السكر

لكن السكر ..

بقلبك

لكنك أنتِ

بقلبي

لكني

أنتظر الرجل الطيب .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر مصري

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project