محمد درويش
في أول سنوات عمري
كُنتُ طِفلًا يخاف العفاريت
فلا أمشي في الظلام وحدي
ولا أنام في الغرفة وحدي
ولا أخرج ساقيّ خارج البطانيةِ
ولا أغني في المراحيض
وأركض بين بنايات الحي وأنا أرتعدُ مِن الخوف
كُنتُ أظنُ أنني إذا توقفت فجأة، ثمة شيء ما سيأكلني
كبرت، وفي أول سنوات الصبا
صارت العفاريت تحاول الاقتراب مني
فصارت تتنكر في هئيات غير حقيقتها
تارة
تتنكر على هيئة سيدات يرتدين السواد
ويمشين في الليل يحملن فوق رؤوسهن بضائع
وتارة تتنكر في سائل الشامبو
فلا أستحم إلا وكانت تحاول أن تتحسس رأسي
وتارة تتنكر على هيئة كلاب تنبح في الشوارع
قطط سوداء تظهر فجأة
وتحدق وتطيل النظر بعينان ثاقبتان غارقتان في السواد
وتارة على هيئة رجال شرطة
يقفون في الأكمنة
وتارة في هيئة أشجار التوت
وتارة في هيئة قمر في السماء..
مرة سمعتهم – العفاريت – يقولون
إننا حاولنا أن نكون بجانبه
لكننا دائمًا نفشل، تنكرنا في کل شيء حتى صرنا نتنكر في هيئته.
ثم قال أحدهم ولكن هناك شيء ما ناقص ..
وفي ليلة
عندما بلغت أربعة وعشرين ربيعًا …
نجح العفاريت أن يصيروا أصدقائي
تنكروا في هيئة فتاة
كانت ترتدي بلوزة مزركشة
وعلى عينيها نجمتان
وبين خصيلات شعرها سحاب مثقل بأمطار غزيرة
ضحكت فجأة
قالت “شكرًا” بصوت خافت
والتفتت ومشيت
ومن ساعتها صار العفاريت أصدقائي..
وتبدلت مخاوفي تمامًا
بدلًا من أن أخاف أن يقتربوا مني
صرتُ
أخافُ أن يبتعدوا فلا أراكِ ثانيةٍ
تطلين كالقمر
في ليلة بيضاء .