سامية بكري
“التجربة المحظورة لروح أمه”، كتاب جديد للطبيب والكاتب كيرلس بهجت، لكنه هذه المرة يثير بكتابه زوبعة من عدم الفهم لاتنقشع إلا بقراءة واعية للكتاب ومضمونه الهام والمؤثر.
يقول كيرلس عن الكتاب: “الحقيقة إن الكتاب مكانش اسمه كده خالص، إنما كان له اسم مختلف وهو “الإسلام هو الحل”.. واللي طبعا كان عامل ازمة بالنسبة لي و بالنسبة لدار النشر في طباعة كتاب بالعنوان ده واللي يعتبر شعار لجماعة محظورة سياسيا وفي وسط أجواء غير مستقرة امنيا في الدولة من إرهاب مادي ومعنوي، فبعد جدال و نقاشات كتير مع أصدقاء كتير تم تغيير عنوان الكتاب واللى كان صعب عليا جدا، وخصوصا إني حسيت إني بتنازل عن حاجة جوهرية في بداية الازمة دية وهي عنوان الكتاب !! يعني ايه اخاف او اقلق من حاجة انا مقتنع بيها انها مش غلط او بتأذي حد! ده عنوان كتاب عادى؟! يعني مفهوش إساءه ولا إهانة، إنما بيعكس محتوي معين انا مهتم اقدمه… بس اكتشفت إنه مش من الذكاء ان يحصل جمود وتشنج عشان خاطر عنوان ممكن يسبب لي و يسبب للي حواليا خطر أو دوشة.. فالروشنة إن الفكرة توصل باي شكل، عشان في النهاية مفيش اي حد بيعرف يحبس او يحظر افكار.. إنما كل اللي بيقدر يعمله أنه يأخر وصولها او يعرقلها في الطريق.. بس في الآخر الأفكار بتوصل وبتأثر وبتسيطر مهما طال الزمن أو استعصت الظروف.. في النهاية الفكرة بتحكم”.
في التمانيينات ظهر الشعار الانتخابي: (الإسلام هو الحل)، واللي كان عامل زي النار في القش ساعتها، من قوة اختيار ألفاظه: (إسلام، حل)، ولعظمة ملاءمته لطبيعة العقلية المصرية العامة اللي عايشة في قلب المشاكل ومستنيه أي حل من أي حته، ويا حبذا لو الحل ده جاي من فوق، من السما!!.. وفضل شعار: (الإسلام هو الحل) مكمِّل فترة طويلة حتى بعد ما خلصت الانتخابات وقتها، لدرجة إنه اتحوِّل من مجرد شعار بسيط مكتوب على كام يافطة لثقافة جديدة عند المواطن المصري.. ويجي د. محمد عمارة- المفكر الإسلامي- يعمل كتاب: (هل الإسلام هو الحل) سنة 1995ويناقش فيه إزاي إن تطويع تعاليم الإسلام في كل المجالات حتحل كل مشاكل الناس.. وتظهر عبارة: (الإسلام هو الحل) على حيطان المدارس وفي الأتوبيسات واللي طبعًا اتطورت لجمل تانية على نفس الإستايل زي: (حيستمر الغلاء لو لم تتحجب النساء)، أو: (نريدها إسلامية).. وحاجات تانية كتير تبين لك من مجرد وجودك في الشارع المصري أن فيه تيار مش هيِّن مؤمن جدًّا جدًّا بفكرة إن سبب كل القرف والضغط اللي هو فيه حله في الدين، واللي متمثل في حالتنا دية: (الإسلام)..
والحقيقة إن الكتاب ده مش هدفه خالص يناقش القضية دية، وخصوصًا إن القضية دية مش قُتلت بحثًا، لا، ديه اتدفنت واتحللت.. بس الكتاب ده هدفه هو البحث في عناصر تكوين الفكرة ديه من الأساس!.. سيكولوجية الشريحة العريضة دية ومنطقها اللي ممكن يبان لشريحة تانية في نفس المجتمع إنه منطق مغلوط أو مشوه؟!.. بس مش يمكن الشريحة التانية دية هي اللي منطقها مغلوط ومشوه ويستاهل الحرق؟!.. بس مين له الحق يقول صح أو غلط، وتحديدًا وأنت بتقول لي شعار زي: (الإسلام هو الحل)؟! هو ممكن نقول إن جملة فيها لفظ: “إسلام” تكون غلط؟! لا، دي هبِّت منك خالص!.. والصراحة إن الكتاب ده مبني أصلًا على الهبابان!!!..
فقبل ما تبدأ في الكتاب متتوقعش خالص إنك تقرا أي دليل ديني أو عقائدي، أو حتى تتعامل إنه من العقلاني إنك تستخدم الآيات أو الاستشهادات الدينية عشان تثبت وجهة نظر عندك، عشان ديه مش مبارزة مقارنة أديان، ولا الليلة فيها أي كلام عن الدين أصلًا!.. إنما كل المطلوب إنك لو قرَّرت تخوض في الكتاب ده هو إنك ترجَّع ضهرك لورا وتاخد نفَس عميق وتحاول بقدر الإمكان تتخلى عن أي تحيز عندك لأي فكرة أو جماعة..
ومثل بسيط عشان أقرب لك، أنا عاوزك تبقى عامل إزاي:
خلينا نقول إن فيه واحد اسمه: (كيرلس بهجت)، عمل كتاب اسمه: (الإسلام هو الحل)، واللي باين أوي من الاسم إنه مش مسلم!!.. يعني واحد مش مسلم كاتب لي كتاب بيقول إن الإسلام حل.. يبقى علطول ياما هو بيتريق وقليل الأدب وبيغلط في الإسلام.. أو علطول هو قرا كتب كتير في الإسلام واقتنع أخيرًا بالهدى وقرر يكتب تجربته ديه.. وهي ديه أول مشكلة كلمة ((((( علطول )))))).. إننا بنط “علطول” لاستنتاجات ما في دماغنا ومفيش ذرة شك إنها ممكن تكون مش صح أو غلط! إنما واثقين ومتأكدين مليون في المية إنها هي الصح الوحيد في الكون!! مش قادرين نطلع برا الإطار ده، وعشان كده عمرنا ما حنطور أو حنتحسن! لا، والخيبة إننا بنرفض ونهاجم أي استنتاج جديد برا الكولكشن الخاص باستنتاجاتنا! طب ليه ميكونش هو مش مسلم، ومش بيقل أدبه أو يتريق؟! ليه ميكونش قرا كتب كتير في الإسلام وبرضه مقتنعش، ومع كده عنده نظرية جديدة في الموضوع ده؟!! ليه ميكونش أي حاجة غير الـ (علطول) بتاعتنا ديه؟!!!.. فيبقى زي ما قال عمنا داروين:
(الجهل يولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة).. ويبقى عشان تقرا الكتاب ده انسى إن عندك كولكشن خاص باستنتاجاتك وعيش مع الكتاب بهدوء وسلاسة، أصل مفيش أعبط من واحد تهزه فكرة أو تعكر له مزاجه.. ففي النهاية ديه فكرة بتروح وتيجي، إنما أنت إنسان مينفعش يتلعب بيك..
وآه صحيح!.. احتمال تلاقي جوا أسامي فلاسفة أو أدباء تكون مش مقتنع بيهم أو مش متفق مع فكرهم فبتكرههم, وللأسف أنا متعمد أعمل حاجة زي كده عشان أنقل لك حاجة كمان وهي إن الشخصيات اللي مش بتتطور فكريا هي الشخصيات اللي بتحب وتكره عشان فكر أو قناعة!
دكتور ملحد ومش مؤمن خالص بالأديان، بس والدك تعبان وده الدكتور الوحيد اللي يقدر يخففه من مرضه, هل مش حتودي والدك؟!.. أعتقد حتوديه عشان ساعتها حتقول إن ملكش دعوة بأفكاره أو قناعاته، المهم اللي بيقدمه، وده صح!.. فيبقى نفكر في اللي بيتقدم قبل ما نفكر في حبنا أو كرهنا للشخص, فممكن المفكر اللي إنت بتكرهه ونفسك يموت ده، يكون بيقول حاجة كويسة!! فبلاش “شخصنة” في التعامل مع البشر.. بلاش جو المربيين الأفاضل ودعاة الأخلاق اللي هما عاوزين يربوا كل الناس على فكرهم وإلا يبقوا أعداءهم.. لا، ده الذكي يسمع حتى من عدوه!! ما بالك مجرد رأي حد مش عجبك، مش مبرر خالص إنك تكره أو تكون رافض خالص إنك تسمع أفكاره.. فأزمة الـ “شخصنة” مش مجرد اتجاه صلب تجاه أفكار أو اعتقادات الفرد. لا، ده حتى سلوكه وأخلاقه.. تلاقي مثلًا دكتور شاطر في شغله، بس مثلًا بيحب يسهر بالليل في ديسكو أو له صورة في مناسبة وهو ماسك كانز بيرة، يبقى علطول دكتور فاشل وأي حاجة بيقولها غلط!! وده مش صح!! فإحنا اللي بنخسر لما نرفض الناس ونصدهم لمجرد قناعة ما في دماغنا, إن اللي مش على مزاجنا علطول وحش ومش كويس… فنرجع تاني لعنة (((علطول)))) الخبيثة..!
وهكذا
بلغة بسيطة ورشيقة يستمر الكاتب في توضيح هدفه وبث فكرة التنويري، فيقول في إحدى فقرات الكتاب: أنهي أسهل: أشيل سبحة ولا ما أخدش رشوة؟ أنهي أسهل: أحط نغمة موبايلي دعاء ديني أو ترنيمة، ولا أبطل أزوغ من شغلي؟ أنهي أسهل: ما أكولش أكل مُحرم، ولا أراعي ربنا في شغلي ومغشش الناس؟ أنهي أسهل: أبان مُتدين، ولا أبقى فعلًا عندي أخلاق وضمير في شغلي وحياتي؟.. كان دايمًا السؤال الغريب: إيه يخلي واحد متحرش أو حرامي يبقى من مؤيدي التيار الديني، أو تلاقيه بيتفرج على أفلام إباحية على النت وبعدها كاتب عندها على الفيس بوك آيات دينية، أو حتى كاتب لك: الإسلام هو الحل؟!!… الموضوع عبارة عن تبرير للنفس.. بنضحك على نفسنا عشان نصدق إننا كويسين… خلينا ناخدها بصورة أعمق.. إزاي بتحصل الازدواجية في الفكر والسلوك؟!!
الـ Ambivalence أو بالعربي الازدواجية واللي يعتبر عالم النفس العظيم فرويد أول من حاول تفسير الظاهرة دية بشكل علمي وجسِّدها في كذا تحليل زي تحليله لـ “عُقدة أوديب”، واللي فيها الابن بيكون كاره لأبوه وعاوز ياخد مكانه من حيث حب والدته له بس مش مبين ده في الواقع.. إنما كراهية مدفونة لغاية ما بتطلع بانفجار!!!.. فالازدواجية ببساطة هي لما يكون السلوك اللي بيحصل بعيد عن فكر الشخص نفسه.. أو مش متناسق مع طبيعة الفرد نفسه.. فأشهر مثال للازدواجية في مجتمعنا الراجل اللي بيظهر إنه بيحب الستات الاجتماعية اللي ليها أصحاب، بس لما يجي يتجوز يقول لك عاوز واحدة متعرفش حد غيري!! طب إيه العك ده؟!!.. والإجابة زي ما بيقول فرويد نابعة من صراع الأفكار والإدراك عن الشخص ده.. يعني في المثل اللي فات.. الراجل مُعجب بالست اللي شخصيتها قوية وحقيقي قادر يلمس جاذبيتها في سلوكها الاجتماعي ده بس!! في نفس الوقت عنده أفكار غريبة متربي عليها، وهي إن الراجل اللي مراته تعرف ناس أو ليها أصحاب يبقى ده انتقاص من رجولته.. وعشان كده في ازدواجية.. فاللي بيحصل في عقدة أوديب إن الابن بيكبر على حُب أبوه بس بيحصل إن في مرحلة ما في حياته بيتشوه إدراكه ويتخيل إن أبوه سارق اهتمام أمه منه فبتحصل العُقدة…
فنرجع للموضوع الأساسي: إيه اللي يخلي واحد عامل نفسه متدين ميبقاش حقيقي متدين؟.. الإجابة: عشان تطبيق الدين صعب، أو بمعنى أصح مقاومة الغريزة والشهوة الأرضية مش أي حد يقدر عليها، فغصب عن الإنسان بيوقع وبيغلط.. وفي نفس الوقت عاوز يقنع نفسه إنه لا مش بيوقع أو يغلط فبيلجأ لسلوكيات سطحية سهلة عشان يغطي على حقيقته.. والكارثة إن ده بيدِّي له مبرر وهمي إنه يحس إنه إنسان تقي وصالح! فتتولد الازدواجية في أبشع صورها.. الازدواجية اللي متغطية بعباية الدين… فأنا شكلي من برا بتاع ربنا فأصدق فعلًا إني بتاع ربنا.. أنا دكتور بأستغل المرضى ونصَّاب، بس مشغل في عيادتي قنوات دينية.. أنا موظف مش بأقوم بشغلي وبأقضي نُص وقت شغلي مزوغ، ولما حدّ يدوَّر عليا أقول له كنت بأصلي، وفعلًا بأروح أصلي!.. أنا حرامي ومُتحرش وفاسد، بس بأنتخب الناس اللي بيقولوا عاوزين يطبقوا الدين بين الناس، وبكده بأقنع نفسي إني بأقرَّب لربنا أو بأعمل خير!!!!
بس الحقيقة إن بتاع ربنا اللي بجد مش حيهتم يصدَّر للناس شكل أو مظهر، إنما حيكون جوهره وحقيقته هي فعلًا اللي مبنية على الخير والمحبة
وهكذا يقوم الكاتب بتفنيد الكثير من الافكار المغلوطة وتبسيط افكار فلسفية واجتماعية بأسلوب رشيق وبلغة عامية قادرة على توصيل فكرته ببراعة.