عبرت الجهة الأخرى من الطريق، وصلت بدون خسائر، “سأستقل تاكسي” قررت سريعًا.. أوقفت أول عربة وقفت أمامي “ماذا أقول له؟” استجمعت كل جرأتي وفتحت باب التاكسي الخلفي وركبت بدون إتفاق مُسبق، نظر لي السائق في المرآة الأمامية فلمح اضطرابًا على وجهي ورغبة حبيسة في البكاء، ابتسم بهدوء وقال “أعرف أنكِ لا تقصدين مكان محدد، لكن لا تقلقي، سأعبر بكِ الطريق“.. كانت ملامحه طيّبة والعداد بجواره يعمل، لا داع للقلق. ركنت رأسي على زجاج السيارة وأنا ممتلئة بالرضا تجاه هذا الغريب الذي لم يُثقلني بالكثير من الأسئلة والحكايا.. قطعنا دائرة الميدان، وطريق أخر قصير إلى أن وصلنا إلى”نفق الأزهر” دخلنا النفق الذي لم أدخله من قبل.
طريق اسطواني طويل لا ينتهي، الإنارة على جانبيه تُشبه كل الإشارات التي تُضيء في قلبي طيلة الوقت بلا توقف، طريق سريع وملتوي في بعض المواضع مثل كل قراراتي الخاطئة، هادئ وحميم كرحم أمي التي لا تتوقف عن التسبيح، آمان رغم السرعة التي تجاوزها مؤشر التاكسي “110”. ضممت حقيبة يدي إلى صدري وفردت ذراعي اليمني خارج زجاج السيارة، تركتها تصطدم بنسمات الهواء الباردة التي ختم بها شهر أغسطس قسوته.
– هل ينتهي بنا الطريق؟
– الطريق الذي نسلكه لا ينتهي أبدًا.
– وماذا يوجد على الجهة الأخرى؟
– كل الخوف والأشباح التي نخشى مواجهتها، لكنهم في الحقيقة أمور طيّبة.
– وهل الخوف أمر طيّب؟!
– يا عزيزتي،كل الأمور أصلاً طيّبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مجموعة “أبيض وأسود” الفائزة بالمركز الثاني في مسابقة أخبار الأدب 2016