استجواب!

محمود سلطان
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمود سلطان

شاهدوه يخرج فجرًا من داره في حارة برجوان، غادر مسجد السلطان حسن، يسوق بغلته محمَّلة بكومة من الكتب، استوقفوه عند باب زويلة.. استجوبه متولي الحسبة، أمَرهم بتفتيش متاعه، تحسسوا جيوب جلبابه ومعطفه، شخط فيهم: 

ـــ أغبياء!..  أريد كتبه لا ماله. 

رمقوه بدهشة:

ــ  أكوام من الورق لا فائدة منها، إلا إذا شئت تدفئة المكان!. 

انبعجت عروق وجهه من الغيظ، وعلا صوته: أريد ما تحمله بغلته من متاع.

نهض بنفسه ودسَّ يده في الأجولة، يستل منها الكتب، كتابًا من وراء كتاب، يبحث عن ضالته، يقرأ العنوان ثم يلقيه بفظاظة على الأرض.. امتد الوقت، ولم يبق إلا القليل من الكتب، يقضم اليأس عزيمته، ويبتلع همته في أحشائه، يرتجف جسده من الغيظ وتصطك أسنانه من التوتر، فالصبح قد تنفس وشوارع باب الفتوح وأمير الجيوش والنحاسين وبين القصرين، بدأت تكتظ بالناس وصخب الباعة بالأسواق.

فجأة تسمّرت عيناه أمام كتابٍ صغير، وانفرجت أساريره، وضجّت صفحة وجهه بسعادة صاخبة: ها ذا ما كنا نبحث عنه.

أجلسوه على حصيرٍ ويداه مقيدتان من الخلف، دفعوه من مؤخرة رأسه نحو الكتاب الملقى على الأرض:

ــــ  هذا كتابك؟!

اقترب إليه حتى كاد يلامس وجهه الغلاف وقرأ بصعوبة “إغاثة الأمة بكشف الغمة”.

وكز طرف خنجره في عظم صدره الناتئة، ثم قبض بيديه الغليظتين على منكبيه الضعيفين وهزه بعنف: أنت متهمٌ بشق عصا الطاعة، والخروج على حكم مولانا المعظّم، والتعريض به، والتحريض عليه، والانضمام إلى جماعة “أرملة الأمير جعفر بن هشام”.

أنكَر التهمة! دفع بدليل براءته: عملت مع الملك الظاهر برقوق ودخلت دمشق مع ولده الناصر وعُرض علىَ قضاؤها!

نهره.. جذبه من لحيته. طالبه هازئًا بأن يوقر شيبته ولا يكذب، واجهه بتقرير العسس والبصاصين ثم سأله: ألست الذي دوّن في كتابه أن سبب خراب البلاد وضياع العباد: “ولاية الخطط السلطانية والمناصب الدينية بالرشوة كالوزارة والقضاء ونيابة الإقليم وولاية الحسبة وسائر الأعمال، بحيث لا يمكن التوصّل إلى شيء منها إلا بالمال الجزيل، فتخطّى لأجل ذلك كل جاهل ومُفسد وظالم وباغ إلى ما لم يكن يؤمله من الأعمال الجليلة والولايات العظيمة”.

ـــ  نعم هذا كتابي وذاك كلامي!

ـــ هذا تعريض بالباب العالي!

ـ ولكني كتبته عن أيام المستنصر.. وقد هلك المستنصر وبات عظامًا ورفاتًا

باغتته صفعة على قفاه من يدٍ غليظة، ودوى المكان بصوت أجش يصرخ وقسمات وجهه تنتفض من الذعر، يتلفت يمنة ويسرة، ويتطاير رذاذ لعابه مثل زخات المطر، من فم سقطت نصف أسنانه من التسوس.. زاعقا:

ـ مَن قال لك إنَّ المستنصر مات؟!.. المستنصر لم يمُت.. المستنصر باقٍ خالدٌ فينا.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون