كسُكرةٍ في فم الوقت .. الضوي محمد الضوِّي

الضوي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 صدر مؤخرًا عن سلسلة الإبداع الشعري بالهيئة العامة للكتاب، التي يرأس تحريرها الشاعر فتحي عبد السميع، الديوان السادس للشاعر الضوي محمد، بعنوان “كسكرةٍ في فم الوقت”، تقوم تجربة الضوي على الذوبان (مثل السُكر) في فم العالم، الذوبان الجميل الذي لا يعني التلاشي أو الضيياع أو الهرب، بل يعني التحقق الشعري في الحياة

 لامجال هنا للعبث كل شيءٍ في حالة مرورٍ نحو ميلادٍ جديد،

الطبيعة تعبر الإنسان كي تتسامى، والإنسان يعبر الحياة كي يترك بصمته الذهبية، ويصبح جديرًا بالوجود الحقيقي.

 كلما كتبتُ مقطعًا أو جملةً في قصيدةٍ

شعرت أنني حركت عربة الأحجار

 خطوةً باتجاه النهر

 تلك العربة التي أجرها وحدي،

 أجرُها منذ ثلاثين عامًا وأجرها إلى الأبد..

 حتى أصل بها إلى النهر

 هناك حيث أبني السد الذي أريدُ

السد الذي لن يجعل الماء قبله كالماء بعده.

 في ديوانه الشعري الخامس يظهر صوت شاعرنا بوصفه واحدًا من أبرز الأصوات الشعرية الجديدة، وهو ما يتجلى في تمكنه من وسائله الفنية، والتمتع بنبرةٍ صوفيّة تخصه، لم يجلبها من مغارات التراث كي يرصّع بها شعره، كما شاع لدى البعض، بل تنطلق من حياته هو، تفاصيله اليومين، لتصنع بصمته الخاصة.

 هنا تحضر المرأة المثال بكل تساميها الأسطوري، كما تحضر المرأة الواقعية بكل ترسيباتها الأرضية، وبين التسامي والترسيب، بين النموذجي والعادي، يجر شاعرنا عربة الأحجار خطوة خطوة، وقصيدة قصيدة باتجاه النهر.

نقرأ له :

“إرشادات”

 أنا زائرٌ مسالمٌ

 أحب البشر،

 وأزورهم في محميّاتهم الطبيعية باستمرار

 أتابع البشريَّ بألوانِه المختلفة..

 وهو يلهو مع أطفالِه

 وهو يتناسل،

 وهو يرقص،

 للتزاوج ..

 أو من شدة الألم

 وهو يصنع آلاتٍ عجيبة،

 ليسعد أبناء جنسه

 أو ليدفعهم  إلى بكاءٍ مرير

 اللافتات الإرشادية وكتب التوعية تقول دائمًا:

 لاتقترب من البشريِّ وهو جائع،ـ

 ربما أكلك

لن ينفعكَ أن يموت حزنًا إلى جواركَ بعد أن يشبع.

 لاتقترب من البشريِّ وهو عارٍ، عاري الروح خاصة.

 لاتفزع إن حَضَنَك فجأة، أو بكى ورأسُهُ على كتفيك،

البَشريُّ كاذبُ بطبيعته،

 فلاتصدقه على الدوام، إنه في حاجةٍ دائمةٍ للأوراقٍ المطبوعةٍ الملوّنة..

 بإمكانك أن تحمِل معك كميةً كافيةً منها في زيارتك له،

كما تحمل الفول السوداني وثمار الموز للقِردَة.

 اقترب منه بالمساحةٍ التي تجعلًك آمنًا،

 لا بالمساحة التي تجعله سعيدًا.

قل “لا” ما استطعت .. ولكن قلها بلطفٍ

 أنا أحفظ كل هذا،

 وأزورهم في مواعيد ثابتة ..

 ألتقط برفقتهم صورًا .. وأحبُهم ..

 أنا البشريُّ الذي لفظته المحميّة

 دون إبداء أسبابٍ مقنعة..!

……………

عاشقًا ولا عشيقة

أنا هنا الآن ..

ولا يوجد ما يُحتمُ اللهاث ..

ما في الغدِ سيأتي، سيأتي ولو لم أكن مُهيأً

الغدُ الذي يشبه بنتًا قررت ألا تتزيّن لحبيبٍ بيعينه

لمّا فقدت كل حبيبٍ جديرٍ بالزينة ..

استحمت ووضعت زينتها وعطرها وانتقت أجمل الفساتين،

سارت إلى الحديقةِ بلا موعدٍ منتظرٍ ولا هدية ..

تتأبط الفراغَ، والسعادةُ ملء عينيها،

ربما قفزت في الهواء، لتملأ أسفل الفستان بهِ،

بالفراشاتِ، بالأمل،

ربما تجاهلت نظرةَ شخصٍ عابر ظنَها تريد رجلاً يشاركها

اللحظة،

هو لا يفهمُ أنها لا تريدُ، أنها تمتلئُ الآن، كما يليق بعشيقةٍ

ولا عاشق لها ..

هكذا الغدُ سيأتي .. ولو لم أنتظره

هكذا سألقاهُ:

عاشقًا ولا عشيقة

عشيقة ولا عاشقًا

أنا هنا والآنَ

إذن لا يوجد ما يحتم كل هذا اللهاث ..

……………..

حزن المانيكان

 حزن المانيكان في الفاترينات

هل تعرفه؟

 كم رجلٍ مرَّ وتمنّى أن تكون لديه امرأة

في قوامها،

 أو أن ترتدي له فتاته شيئًا كالذي ترتديه،

 أو أن تقف في انتظارهِ وقفةً كتلك

 على ناصية قلبه،

 تثمرها اللهفة

 ويورق في أكمامها الحنين؟

 لكنّ أحدًا  لايمكنه الدخول لاحتضان المانيكان،

 تلك التي تحيط بها الأضواءُ

 ويتمنّاها كثيرون على بُعد ..

 وأقول لك شيئًا آخر:

مرةً .. دخل إليها رجلٌ

 لم يفرِّق بينها وبين الحقيقيّات،

دخل واحتضنها فعلاً،

 متجاوزًا الزجاجَ، والنظرات المتطفلة،

 وتحذيرات الباعة،

 احتضنها بقوّة،

كم كانت تود أن تحتضنه هي أيضًا،

كم كانت تود لو أنّه ليس مغشوشًا فيها،

 لو أنّه أحبها بصدقٍ

 أحبها كما هي: صلدةً، ولاتجيد إلا وقفتني أو ثلاثًا،

 لاتعرف كيف تدير ذراعيها

 كاملتين حول خِصر رجل،

 لكنّها ودون أن تقصد، عندما احتضنها،

 آلمته في ضلوعه

 آلمته في قلبه..

……….

حزن الشجرة

 حزنُ الشجرةِ

 ليس لأنَّ البلطةَ أفقدتها جزءًا من جَسَدها

وخلَّفت جرحًا عميقًا وفراغًا موحشًا.

 حزنُ الشجرةِ لأنَّ البلطة صنعت فراغًا

 ولم تملأهُ ولو بنصلِها القاسي..

 فراغُ مكانِ الجرح

 أقسى من الجُرح ذاته

يا صديقتي البَلطة.

…………..

الضوي محمد الضوي من مواليد الأقصر، يعمل أستاذًا للأدب العربي بجامعة المنيا، صدر له خمس دواوين شعرية، ومسرحية شعرية بعنوان (في حضرة الحيرة)، حاز على عدد من الجوائز الأدبية المرموقة منها جائزة عبد الله باشراحيل للإبداع عام 2008، وجائزة ملتقى الشارقة للشعراء الشباب 2010، كما حصل على جائزة بهاء طاهر عن اتحاد الكتاب في مصر عام 2013، وجائزة الشارقة للإبداع عام 2014 .

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني