كثير من أهلها فقدوا أطرافهم.. ما قصة هذه القرية العراقية؟

موقع الكتابة الثقافي writers 26
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أطرافهم .. أصوات متحشرجة!

لم يعِ حجم المفاجأة، حين استقرت دهشته وسط طعنات نظراتهم

استقرّت الطائرة عند مهبط النسيان في مطار البصرة الدولي، استقلَّ السيارة نحو قرية (جرف الملح)، قد تركها مذ كان في بطن أمه، جاءها اليوم آملاً معرفة سر أبيه، الذي ما فتأت أمه إخباره أن هناك سراً هو  الذي جعل أباه يمكث في القرية مقعداً على كرسي متحرك حتى مات، عند المدخل، الأطفال يلعبون (الغميضة)، أثارت الدهشة لديه، لا يحتاج اللاعبون الاختباء في أماكن معينة، فقد كانت الطفلة المسؤولة عن إيجادهم فاقدةً كلتا عينيها، لكن الفكرة من اللعب هو عدم إصدار صوت عند حركتهم و إلا لن يفلتوا من سماعات الإذن التي تلتفُّ حول الصيوان مكوّنةً تشكيلاً عجيباً، لا يمت لما نعرفه من شكل الأذن التي نحملها. الأطفال ينظرون له بريبة الغريب، والطفلة تتحسّس صوت خطواته بحذر دجاجة تخاف أن يقتحم الفلّاح بيتها عنوةً.

اتجه نحو فندق أشبه بحظيرة حيوان، في الاستقبال رجل مبتسم، اتفق معه على المبيت، أشار إلى دفترٍ لغرض إملائه بمعلومات شخصية، عند شروعه في الكتابة، اتجه نظره نحو يديّ الرجل البلاستيكيتين وكرسيّه الخشبي ذي الثلاثة أرجل، والرابعة كانت حديداً قد أُقحمت على المشهد كي يتسنّى استكمال وجوديته. الصراصير أقامت حفلة استقبال عند طرف الفراش، كانت ليلة تستحق التذكّر، في الصباح، اتجه نحو أطراف القرية هناك، حيث القبور تتناثر عند فراشات الحدائق التي تحيط بالملح، مشهد غرائبي أثّر في نفسه، مشكّلاً تعتيماً ظاهراً للعيانِ، خفيٌّ في باطنهِ على من سلك دروب الحياة السهلة، إستقر عند قبر والده، راسماً بضع طلاسم على صدرهِ، قرأ مما حفظ من أدعيةٍ، مناجياً بشتى أنواعها، أدرك أن الحياة السابقة كان ينقصها أباه، لكن ما باليد من حيلة سوى التشرذم عند طرف القبر حيث الفراشات تتلاعب عند طرفه البعيد، وشاهدة القبر ترنو إليها، مشهد حميمي إستقر عند خانة الذكريات، قسم الحزن. عند خط الرجوع من القبر صادف الفتية يلعبون (الغميضة) أيضاً، بشروط مختلفة هذه المرة، كان الفتى المكلّف بإيجادهم يجلس على كرسي متحرك، يحمل ليزراً أخضر، و إن عثر على أحدهم أصابه بذلك الليزر، نفس الفتية، نفس اللعبة كل يوم، لكن بشروط تختلف في كل مرة، ما أسعدهم، حينها أدرك أمراً …

… عند المطار و بعد التفتيش والتمحيص الروتيني، وجّه له موظف الاستقبال عدّة أسئلة، أجابها برحابة صدرٍ، بصوت أشبه للبحيح منه للكلام، و بعد أن ظهر على الموظف علامات الاستياء من (صوته المريئي)، سأله الموظف ما كان غرض الزيارة أجابه :

  • أردت التأكد، من سرِّ أبي في قرية البتران!
  • و ماذا وجدت ؟
  • أن (الغميضة) تُلعب بعدة قوانين…

 

الرجل البلاسيتكي

ضحيةٌ في أَلَقِها المعتاد، بهالة خافتة، بأملٍ يتعكّزُ على أرجوحة تذهب راكضةً للحياة وربما لا تعود.

طُعم فاسد، تتبع الموت في دحرجتها.

تبرّر وجودها بمعرفة حكاية الخطأ التي أوجدتها.

خطأ أول : لا حاجةَ لعضلات ملامح الوجه، يعبِّر عن نفسه بسكين 

خطأ ثان : لا حاجة لكل هذه العظام، فالقلب ما يُكسر 

خطأ ثالث : لا حاجة لإشهار طزاجة أعضاءه، كلُّ شيءٌ يورد على قائمة مشتريات القاتل

خطأ رابع : لا حاجة لإمساكه مذبوحاً، فالذبّاح الذي يرقص 

خطأ خامس : لا حاجة لتنويع تسريحات شعره، فالموت يحفظ شكل مؤخرته   

خطأ خطأ 

خطأ خطأ

الأخطاء الواردة قد تُصحح بتشذيب أسباب وجودنا.

من يرغب به، من يقبل باقات الورد التي يحملها، من يمسك يده ليركض (جاعلاً) القبل ثمن لهاثه؟

صباح كل يوم يغسل نصف وجهه السعيد، يشذِّب الحزن الأبيض العالق بسواد تبحث فيه الفتيات عن دغدغة تشعرهن بالنضج، يبتسم به، يكممه عن السجائر، يجعله فتيا بحقن ابتسامات مكررة، أما النصف الآخر فلا يد لتصله .

شكل أبدي،

كف تصلح لكل شيء،

تركيب ملاعق بلاستيكية،

حمل أكياس بلاستيكية،

خدش مؤخرات بلاستيكية،

تحسس وجوه بلاستيكية،

مصافحة يد بلاستيكية،

رفعها في الهواء المثقل بموافقات حرب بلاستيكية 

فالشجاعة صورتك وأنت تبتسم،

شكل يصلح مجدافاً مربوطاً مكان زعنفة عُلِّقت في شباك بصنانير ملغمة،

فمن يفكُّ عقد الشِّباك،

مَن يسحبُ السمكَ العالقة أفواهه بأصابعه،

من يعيد هذه اليد ليدهِ ؟

هوامش    

وسام علي و عمّار ذياب

مانشيت صحفي : علي عبدالأمير عجام

مقالات من نفس القسم