كتابة هي الثورة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ملكة بدر *

ما الذي يعنيه أن يكون لأحد مكان ما بين الآخرين؟ هكذا هي الكتابة بالنسبة إليّ: حيّز بين الموجودين، لكنه هذه المرة حيز يجعلك موجوداً ومتعايشاً وحياً، وليس مجرد كتلة في الفراغ. الكتابة أن يقرأك الآخرون، إلا أن حرية الكتابة هي ألا تأبه وأنت تكتب أنّ آخرين سيقرأونك، وهذا هو جوهر الأمر في الحقيقة.

 

إذا كانت الكتابة أن تحظى بحيز في الوجود، فإنّ الكتابة في مصر تحديداً جزء من البقاء على قيد الحياة بالمعنى الحرفي. في وطن لا يعترف بك إلا بعدما تتخطى الستين، أو أن تتخطى مبيعات كتابك، مهما كان الطبعة السادسة بحسب الناشر، يصبح قلمك هو الملاذ الوحيد، خلفه تختبئ أو تظهر. أنت هنا لتقول من أنت، أنك جدير بالاهتمام، ثم يحدث بعدها ما يحدث حتى لو كان هجوماً لاذعاً عليك. تحتاج إلى أن تقول إنك لست ابن جيل السبعينيات بنضاله ضد إسلاميي السادات، ولا تنتمي إلى جيل التسعينيات بإخفاقاته الشخصية وتوحّده، تحتاج الى تأكيد أنك ابن الألفينات ـــ لو صح التعبير ـــ بثورته التي ميزته عمن قبله.

الثورة؟ لحظة أن تحوّل كل شيء في حياتك ليصبح ذات مغزى. ورغم ذلك لا تستطيع الكتابة عن تلك اللحظة حتى الآن. كنت على وشك أن تصبح كاتباً ألفينياً لا يختلف كثيراً عن أبناء التسعينيات الذين خبروا الغربة والنضوج على مهل، ولوّحوا لهزيمة ناصر ثم هزيمة المجتمع المصري على يد الانفتاح من بعيد. الآن، أصبحت جيلاً منفصلاً، متفرداً بحد ذاتك، قضى الإله أن تكون وحدك أنبوب اختبار حول كيفية فشل الثورات في تغيير النظام، أو إقامة يوتوبيا.

الثورة هي العلامة المميزة لمواليد أواخر الثمانينيات. اللحظة التي قررت فيها ألا ثوابت بعد الآن، واللحظة التي جعلتك تؤمن بأنّه لا بأس في أن تكون كتابتك غاضبة مثلك، وأنّ ما من أحد سيفهم غيرك لحظة الحرية الحرفية، شجاعة الاحتماء بغيرك، لحظة الانتصار المجنونة، والإحباط اللانهائي. كتابة هذا الجيل الغضب المجسد، واللاثوابت، الصوت المستقل تماماً حتى ممن كانوا بالأمس القريب «أساتذة». الكتابة التي لا تبحث عن كلمات منمقة، بل تلقي بنفسها من شرفات تكتكات «الكيبورد»، سواء على فايسبوك أو غيره. كتابة لا يعتبرها البعض «مهذبة»، لكن أصحابها لا يأبهون. كتابة هي الثورة، لولا أنّ غضبها لا يخمد بمجرد النشر.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعرة من أعمالها ديوان «دون خسائر فادحة» (دار ميريت ــ 2012)

مقالات من نفس القسم