يوسف بولجراف
إذا أردت أن تكتب أكتب، ماذا يمنعك؟ هو فقط الإلهام، ولا شيء غيره، فأنت إذن الكاتب ولن أعلمك كيف تكتب! لا تكتب مثلهم كل يوم كل ساعة كل دقيقة، تلك ليست كتابة، فالنصوص الجميلة لا تأتي في كل آن!
فقط قبل أن تكتب فكر أن ما تكتبه هو رشفة ماء في منقار الطائر الرنان الذي أراد أن يساعد في إخماد تلك النار، الكتابة يجب أن تحمل كما من الجمال والإيجابية، ليس ضروريا أن تكتب في كبار المجلات حتى تسمى كاتبا، فقط عليك أن تعطي نفسا من الهواء النقي للقارئ قبل أن تكون الكتابة متنفسا لك.
وأنا أكتب في هذا الموضوع بالضبط وجدت مكاني في زاوية تلك الجريدة قد أخذه كاتب مشهور معروف عنه الانضباط، فأنا قد تخلفت عن الموعد لست منضبطا، لأني كاتب عشوائي ولا يكتب أي شيء في كل حين، قلت ربما هذا ما يحتاجه رئيس التحرير، فهولا يريد أن تبقى الزاوية فارغة، تحتاج من يكتب أي شيء المهم أن يملأ الفراغ، لكن هذا الشرط في العقد الكتابي لا يتماشى وفن الكتابة وطريقة كتاباتي!
الكتابة لا ترضخ لشروط الوقت، الزمان فيها مختلف، لكن مكانها هناك في الزاوية في وقت ثابت، فكيف إذن أفعل وحتما أنا سأخالف وسأتخلف عن الموعد، وإلا لن أكتب شيئا كما أريد لأن شروط الكتابة هي الحرية، أولا حرية عقلك وتفكيرك، فأنت لا تتحكم في موعد الإنزال، إنزال الأفكار وباللغة والتعبير الذي تريد وهذا مايسمى الإلهام، وإن قلت العكس فانت لست كاتبا مهما بغض النظر عن المجلة المهمة، إلهامك كيان مستقل وحر ويأتيك متى شاء، إن لم تكن حرا تماما وهو حر كذلك لن تكتب شيئا مهما وهكذا..
أعود إلى الموضوع، المهم حين تكتب أكتب عن الواقع بشكل أنيق، لأننا كلنا يعرفه، أكتب عندما يغدو الصمت الطريقة الوحيدة في النقاشات المكهربة، فكيف ستكون كلماتك التي أطبقت على الصمت يجب أن تجعل الجو لطيفا وأكثر هدوء، فماذا ستكتب؟ أكتب أي شيء غير ذلك الذي شحن الجو وجعله مضطربا، ضع بصمتك الجميلة في الموضوع بإشارة إليه مستهزئة، لا تكن جادا أكثر من جدية الموضوع، دع نبرة السخافة لتعيد القطار لسكته، أنت إذن لم تعد كاتبا وحسب في هذه اللحظة بل أكثر، ستجد بعدها أن ما كتبته هو الحل، أكتب وكأنك طفل صغير يناقش سياسيا فاسدا، لا تلمه على ما يفعل، ولا تطلب منه أن يفعل ولا تحمله المسؤولية على ما فعل، لأنه في التحري ستجد نفسك متورطا في بضع كلمات وجمل لا تجدي شيئا، ولن تكشف كلماتك عن الحقيقة ويثبت التقصي أنك أنت الملام وقد أردت فقط أن تقول كفانا!
اكتب ليشعر القارئ بالسعادة بعد أن يقرأ لك، لا تكن كاتبا مستبدا برأيك، كما توحي صورتك، أنا هنا أظلمك! لكن دع في كتابتك مجالات للحرية، ولا تغلق الأقواس فيعود نصك سجنا آخر على غرار ماكتبته عن واقعك والتفاهة وكل أنواع السلبيات! على فكرة كل ماتكتبه القارئ يعرفه، فما جدوى كتابتك إذن! إيه فهمتك فهمتك كما قال المؤثر، تريد أن تصبح مشهورا أكثر من الشهرة، لكن على الأقل أكتب كشوبنهاور وهو المعروف عنه أنه سنفور غضبان! وكلما تقرأ له عن فكرة كيفما كان مزاجك سيصبح سيئا، تقول ما هذه الحياة ؟ إن لم تكن الكتابة فن والسياسة فن، لن يتغير شيء في كل المجالات الأخرى، لأن الأزمة الأعمق كما كنت قلت أكثر من مرة هي أزمة تفكير، أزمة غطرسة آراء، أزمة نرجسية الأنا، أزمة إنسان، إنسان لا يبالي ب إنسان، إنسان خالي مشاعر، ببساطة دع التعبير عن الواقع للقارئ وأنت الكاتب اكتب بشكل مخالف، بشكل يجعل تعبير القارئ يتغير، تعبير ربما يرى النور لأول مرة بفضلك، لأننا أولا وقبل كل شيء كيف تعلمنا الكلام والحديث والصمت، وكل الألفاظ المتداولة الآن، لم تكن من قبل، تعلمناها من الكتاب، من النقاد،من الأساتذة،من الشارع منك أنت! وحين تعلمنا كل هذا هل تعلمنا فن الإصغاء والإنصات وفهم الآخر
كان يجب أن يكون كل ذلك متوازنا، واليوم نضيف إليها جملة ألفاظ وكلمات أخرى هي قواميس لغة ومخارج نطق وعددها أكبر ويتسع بنسبة تفوق كل ما تعلمناه من قبل فقط من الهاتف من وسائل التواصل الإجتماعي وجه الكتاب، تيك تاك ووات صب! جيل اليوم يأخذ كل تفاصيل حياته منها،فكل أوقاته مرتبطة بها! تعتقد أنه لا يقرأ لك، بالعكس،قرأ لك ومر! وجدك تافها في كتابتك لأنها لا تساير ما يحتاجه! وهوعلى حق، لأنك كتبت دون إلهام، لذلك لم تلهمه، فلم يأخذ منك شيءإضافة لقاموسه اللغوي… حين تود أن تكتب أكتب لنفسك أولا كما تنظر إلى المرآة فترى فيها ذلك القارئ، ما يحتاج أن يقرأه ومايريدك أن تكتبه لكن بشكل مميز فيه الجمال،تعبير مفعم يحيي الروح، أكتب عن كل هذا وذاك وكل مايحدث ف أنت الفنان لكن بشكل متسامح، أكتب عن رأيك في الموضوع كأنك تبتسم أمام المرآة وتتمعن النظر في بؤبؤ عينيك لتجد شخصا آخر فيك وتضحك، هكذا يكون لكتاباتك فضاء كبير لكل القراء، أليس غريبا أن تجد الصفحة الرسمية للثقافة ليس لها معجبين، هل لأن روادها كتاب أم سياسيين؟