كأني سوايْ

كأني سوايْ
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نمر سعدي 

 (1)

أستلُّ نظرتكِ التي انتحرَتْ على أسوارِ أشعاري

كسرِّ الضوءِ في الأرواحِ

أسندُها ذراعَ الوردِ… صدراً مخمليَّ الموجِ ليسَ يضُمَّني ..

غاباتِ موسيقى… وشلاَّلاً مسائِّياً على حيفا…

أعُضُّ بمقلتيَّ الريحَ… عنقاً ليِّنَ الدُفلى لرائحةِ المساءِ

كأنَّ فيَّ غباءَ قلبِ الثورِ في شمشومَ حينَ أدورُ حولي دونما مغزى

أهوِّمُ في فضاءِ اللا مكانِ. يدايَ أغنيتانِ عن ليلايَ

قلبي فوقَ أبوابِ الظلامِ فراشةٌ عمياءُ

فولاذيةُ المعنى أدقُّ بها غدي….

وأحلُّ كاسمٍ هاربٍ منِّي بتمثالِ المُسَمَّى الفردِ

أو جسدِ المُثنَّى لحظةً أخرى. وأسألُ هل أنا فعلاً أناكِ ؟ أناكِ أنتِ ؟

مُدجَّجاً بنحيبِ عنترةِ بنِ شدَّادٍ أجيبُ دمي

بتقبيلِ السيوفِ لأنها لمعتْ كبارقِ ثغركِ المُتبسِّمِ …/

انعجني كبوحِ الليلِ في أقواسِ تحناني

وصُبِّيني كزئبقِ نرجسٍ حافٍ وعارٍ

من مراودةِ النهارِ عن المدى الورديِّ

في أعلى فراديسِ انكساري

وتعلَّقي برموشِ أوتاري..

بفسحةِ شقوتي في الأرضِ…

إنِّي قد تركتُ هناكَ آدمَ وحدَهُ

لا…. بل تركتُ هناكَ روحي وحدَها

تبكي وتضحكُ من خفايا حكمةِ الأفعى

وتلعنُ قيدها الحبقيَّ. ترفو زهوَها أو وعدَها

” دنياكَ فاكهةٌ مُحرَّمةٌ كما تروي السماءُ

فكُلْ بروحكَ من جنى حوَّاءِ…

خُذْ ملءَ الرمالِ سحابتينِ خفيفتينِ إليكَ وانهمرِ انهماري “

(2)

أستلُّ من صدفِ الألفاظِ لؤلؤةً

أضيءُ منها دمي الغافي فينكسفُ

أرُبُّ عطراً لأنثى البرتقالةِ من

كفَّيكِ يجري على ثغري فينخطفُ

وحدي أضُمُّ خياناتِ الزمانِ إلى

وُدِّي ويجمعني حُبِّي فأختلفُ

وحدي وزرقاءُ دالي ألفُ عابثةٍ

على نوافذِ أيامي. بها صلفُ

موديلُ ايغونُ شيلي لا تطاوعني

ولامُ أعضائها تجتاحها الألفُ

أنفاسها في صراخِ اللونِ أغنيةٌ

خرساءُ توحي بها في مهجتي الغُرَفُ

حديقةٌ في مدى أحلامها بددٌ

كأنَّها ثوبَ ريحِ النارِ تلتحفُ

بُرجٌ مدَمَّىً أنا في ريحِ عاطفتي

أقبِّلُ الأرضَ تحتي ثُمَّ أنقصفُ

نهرٌ تعلَّقَ في الما بينَ يشربُ من

دمعِ الذينَ ذووا فيهِ وما اعترفوا

ثغرٌ يمسُّ ثلوجَ المفرداتِ على

جمرٍ يُوَّزعُ في أجسادها اللهفُ

(3)

أحتاجُ دهراً ما اضافِّياً لأختصرَ المسافةَ بينَ صوتي الداخليِّ

وبينَ ضوئكِ….. لعنةً أخرى لأفهمَ أنني نسيٌ لعشقٍ ما تبخَرَّ في الحجازِ

وأنني… لا شيءَ … أنِّي محضُ لا شيءٍ

أنا إرثٌ لأشياءِ الفراغِ…

فقُلْ لجسمِ قصيدتي يدنو لأعرفَ أنني

بشرٌ سويُّ الحُبِّ والأركاديا…

(4)

من ضلعِ بحرٍ آخرَ الدنيا وُلدتُ كفتنةِ الماءِ المُعذَّبِ

لا أعانقُ فيهِ غيرَ وجوهِ موسيقاكِ. حُمَّى صوتكِ الخضراءَ

وهيَ تشُفُّ في أغصانِ هذا الليلِ

يرفعها النهارُ بغيرِ كأسٍ طافحٍ بمواجدِ الصوفيِّ…

أحلمُ.. كنتُ أحلمُ لا لوجهِ الحلمِ في أقصى التلاشي والتماهي

في دفاتر ذلكَ المجنونِ ريغو بيرتو….

مسائي بيعَ بالمَّجانِ. واللغةُ التي راهنتُ في شعري عليها كالحصانِ

تحوَّلتْ تمثالَ ملحٍ في الطريقِ إلى أثينا..

ثُمَّ ماذا بعدُ.. ماذا بعدُ… إنَّ يدي تهزُّ نخيلَ مملكةِ السرابِ

فيسقطُ التعبُ الجنيُّ عليَّ…

تنهمرُ الرياحُ على المجوسِ الذاهبينَ إلى جنوبِ نبوءتي

بوجوهِ أطيارٍ على أجسادِ أنهارٍ../

تركتُ دمي وراءَ شواطئِ المرجانِ في الأسحارِ يصرخُ

آهِ.. منفلقاً إلى قمرينِ / سنبلتينِ تختزلانِ شهوةَ آبَ في ماءِ الظهيرةِ….

إذْ يُعمِّدُ في مدى عينيكِ لهفةَ هذهِ الدنيا

” زليخةُ يا زليخةُ دثِّري برموشِ هذا العنفوانِ دمي ينامُ على شفيرِ البرقِ

والرغبوتِ. أضلاعي بما ملكتْ ظنونكِ من عبيرِ الآسِ والنعناعِ

ماذا لو فعلتِ… وألفُ ماذا لو مررتِ هنا بقربِ المجدلِّيةِ

تحبسينَ بحارَ دمعكِ في عيوني أو دمي

وجررتِ لي فرحَ القصيدةِ للنصاعةِ طائعاً أو مُرغماً… ماذا يكونْ “

(5)

قريبٌ من المُتقاربِ. تحملني فكرةٌ من ضبابِ الفراشاتِ

أهجسُ فيما يُفكِّرُ فيهِ سوايَ الغريبُ الذي هدْهدَته القطاراتُ

كالأمهاتِ الحزيناتِ. فيمَ يغيبُ ويحلمُ فيهِ الذي ابتلعتهُ المحطةُ…/

أستمطرُ الشعرَ من غيمةٍ عاقرٍ. ثُمَّ أنتظرُ الماءُ لكنَّهُ لا يجيءُ

أفكرُّ في الآخرينَ. أدرِّبُ نفسي على ما تحسُّ بهِ من غموضِ العواطفِ

أقطعُ وعداً لها بقراءةِ دانتي وماركيزَ ثانيةً في الغواني الحزيناتِ هذا المساءَ

الرواياتُ في الصيفِ أجملُ… سوفَ أعيدُ قراءةَ ديوانِ شعريَ

بعدَ انتهائي من اللازِ هذا الربيعِ وروعةِ وطَّارَ

سوفَ أقودُ اليمامَ الذبيحَ إلى أوَّلِ النهرِ والاشتهاءِ

وأكبحُ نثري الجموحَ عن الجريانِ المُضيءِ /

كأنِّي أناكَ هنا حينَ أنظرُ في آخري ساهماً حالماً

غارقاً في البحيراتِ. مستسلماً لهبوبِ الأحاسيسِ من جهةٍ لستُ أعرفها

مثلَ نصفِ هلالٍ أنا في السماءِ

يطوِّقُ خاصرةَ الليلِ …./

أحتاجُ شهراً طويلاً من العشقِ أصغي لموسيقى بتهوفنَ العذبة العربيةِ

شهراً طويلاً من العشقِ… كي ينحني الفارسُ الشهمُ فيَّ على قدميِّ الحبيبةِ

كي ينثني السهمُ عنِّي إلى أجلٍ لا أسمِّيهِ صمتاً ولا شبقاً فوضوِّياً

فتزهينَ زهوَ الحصانِ العنيدِ يصُبُّ دمَ الشعرِ والأقحوانِ على خطوكِ

المُتشبِّثِ بالغيمِ أو بانهياري الجميلِ كناطحةِ من زهورِ الضبابِ

يُهشِّمُ شمعَ المسافاتِ. كُلَّ وجوهِ الينابيعِ.يسحقُ أغصانَ قلبي بلا رحمةٍ

وحشاشةَ أغنيتي. وسياجَ القرنفلِ والتوتِ…

حسيَّةَ الصبحِ حينَ يعانقني فأفارقهُ.. هكذا.. مثلما يفعلُ الربذيُّ بأصحابهِ

مثلما تفعلينَ بما ظلَّ منِّي ومن شهريارَ الأخيرِ/

أحاولُ ألاَّ أقولكِ. ألاَّ أشمَّ وصاياكِ. ألاَّ أحلِّلَ صلصالكِ الرطبَ

ينحلُّ بي مرةً فأعيدُ صياغةَ نفسي على ضوئهِ الصلبِ…

إنَّ العصافيرَ فيكِ تهدِّدني بشراستها ونصاعةِ أحلامها

وتبدِّدني بتساؤلها…/

ما الذي يصعدُ الآنَ من حقلِ عينيكِ أو يتطايرُ

مثلَ رذاذِ مُخيَّلتي في ربيعٍ بلا قمرٍ ؟

ما الذي راحَ ينسكبُ الآنَ فوقَ الكتابِ المُقدَّسِ

فوقَ جفافِ الضلوعِ التي شحذتها أصابعكِ الذهبيةُ..؟

ما كُلُّ هذا الذي فاضَ من فجوةِ الضحكةِ الثرَّةِ الماءِ…؟

ما سرُّ ما فاضَ فيَّ بكلِّ الرحيقِ الأنيقِ …..؟/

سوايَ يمرُّ غريبَ الخطى سائلاً عن سوايَ

كأني تفيَّأتُ نظرتهُ واتخذتُ مكاناً ببستانِ أشيائهِ

لا يليقُ سوى بالصعاليكِ في أوجِ فتنتهم

أو كأني سوايْ

(6)

قريبٌ من المُتقاربِ تبدؤني فكرتي ها هنا

ثُمَّ لا أنتهي منكِ…. أو من سديمي المُشعِّ بماءِ انتحابِ النجومْ

(7)

جراحي مُسكَّنةٌ بقوافيكِ. صفصافها نافرٌ في أعاليكِ

في غُرَّةٍ زيَّنتها العصافيرُ واحترفت وجعي

انسكبت كحليبِ اللهيبِ على إصبعي

في الغناءِ الفقيرِ الأخيرِ لبلبلِ جون كيتسَ ../

من مُعجمِ النفرِّيِ كأني ألمَّكِ

من هجسِ ذاتي بخالقها. حبةً حبةً تتناثرُ سنبلةُ الجسدِ الآدميِّ

وينفرطُ اللؤلؤُ … العسجدُ المُتشرِّدُ في أسفلِ الظهرِ منكِ ..

كأنِّي أراكِ بعينينِ غائبتينِ عن اللمسِ

ثُمَّ أحسَّكِ من غيرِ حسٍّ

بأقصى نوافذَ قلبي كعصفورةٍ غيرَ مرئِّيةٍ تنقرينَ زجاجَ الحنينْ

بنبلِ الطيورِ التي انتحرَتْ في بحارِ الجنونْ

بما اجترَحتْ كائناتُ الهيولى من الوجدِ….

لا بالأصابعِ لا بخفاياكِ لا بمراياكِ

أقصى شغافِ الندى. اللغةِ المستعارةِ

صوَّانِ كفِّ الردى المُخمليِّ

بكلِّ امتزاجِ ولاداتنا بأساطيرنا تنقرينْ

لن يجيءَ البرابرةُ الميِّتونْ

(8)

مررتُ على الشنفرى وعليَّ وكانتْ تُلوِّحُ أطيافُ مرثيَّةٍ

في مهبِّ الرجوعِ لشمسِ بخارى

على بُعدِ مرمى خطى الهندباءْ

(9)

هيَ من سوفَ تأتي غداً وحدَها

ملءَ معجزةٍ صنعَتْ مجدَها 

لا مباليةً بالدماءِ التي لفَّ أزهارَها ورقُ السيلوفانْ

هيَ من سوفَ تأتي غداً وأنا

من يضمُّ السرابَ الذي أمسِ كانْ

(10)

أضغاثُ أبراجٍ مُهدَّمةٍ حياتكَ أيُّها المنهوبُ مثلَ حقيقةِ الدُفلى

بغيرِ أشعةٍ تبتلُّ شمسكَ. والعناوينُ السريعةُ منكَ تنبثقُ..

المساءُ مُهيَّاٌ لفحيحِ عطرِ غوايةٍ عبرَتْ دماءَكَ مرةً

بعبارتينِ أليفتينِ جهلتُ سرَّهما

وصغتُ محارتي الأولى على مرأى يَدَيْ عشتارَ حينَ

تُهذِّبانِ المعدنِ القاسي. وتصطفقانِ في الألفاظِ

مثلَ فراشتينِ غريبتينِ تؤثِّثانِ الثلجَ في أقصى الكواكبِ

بالنداءاتِ العصِّيةِ في انكسارِ الياسمينْ

(11)

سأرفعُ من جسدي ذاتَ حلمٍ وعمرينِ

ما سيدشِّنُ في الأرضِ مائدةَ السخرية

(12)

أتأملُّ وجهينِ يأتلفانِ ويختلفانِ. وأغرقُ في لحظةٍ شاردةْ

أتأملُّ وجهي بعَينيْ سوايَ

فيأخذني طلسَمٌ لا يقاسُ مداهُ ولا يُرتقى بكلامِ ابنِ حزمٍ..

سوى بالشموسِ الأخيرةِ في شفقِ الأوردةْ

إلى منتهايَ إلى مُبتدى البسمةِ الجاحدةْ

(13)

مالي على نفسي تعاقرُ شمسها جلدٌ

وليسَ للهفتي جسدٌ يرِفُّ كأنهُ أبدٌ

خيوطُ اللابرنثِ تشدُّهُ للهاويةْ

أبدٌ عقيمُ الحِسِّ ليسَ يخُصُّني وأخُصُّهُ …. وهوى مُقيمْ

وأنا بلا قمرِ البنفسجِ تائهٌ بينَ الغيومْ

أهيَ الشفاهُ العاصياتُ تشُفُّ عن عطرٍ

وعن جمرٍ شحيحِ النارِ تصرخُ ذاويةْ ؟

تستلُّ من أقصى رمادِ الروحِ حكمتها التي ضيَّعْتها

في المهدِ كيْ أشقى بلا سببٍ وأصرخُ في الحياةِ

مخاطباً نفسي / سوى نفسي…. بألفاظٍ زرادشتيةٍ

” دنياكَ عاهرةٌ مُدَّنسةٌ وأقذرُ في المحيضِ دعارةً منها بنوها ” /

أحتاجُ لحناً ما إضافِّياً لأطعِمهُ لخاصرتي وأحشو حزنَ أندلسي بهِ

حتى ثمالاتِ النساءِ الناظراتِ إلى سدومْ

(14)

متداخلاً بعوالمٍ مخفِّيةٍ.. هلْ كنتُ أهجسُ دونَ أن أدري بأشياءٍ مُغيَّبةٍ ؟

بحُبٍّ ميِّتٍ… أهذي بأسماءِ الملائكةِ الحواريينَ

حينَ يخاصرونَ إشارتي الأولى….؟

كأنَّ الزئبقَ المصبوبَ في لوحِ الوصايا

سرُّ ماءِ القلبِ في زهَرِ القرنفلِ…

كنتُ أجهشُ دونَ أن أدري بدمعِ قصيدةٍ عنقاءَ

كنتُ أغصُّ.. كنتُ أفيضُ حتى آخرِ الرؤيا بشِعرٍ غامضٍ

ينحلُّ في ما لستُ أكتبهُ

ورغوةُ لونهِ القُزحيِّ تجرحني…./

وراءَ دمي أرتِّبُ رغبتي المنعوفةَ الأصواتِ

أضبطُها على ايقاعِ بحرِ السندبادْ

(15)

تعلو يدايَ على عرشِ الخواءِ وما

في الروحِ غيرُ هشيمِ الصمتِ يلتهبُ

حاولتُ تفسيرَ أحلامي فلفَّقني

من قاعِ جُبِّ خطيئاتي دمٌ كذِبُ

شفاهُ أفعايَ في الفردوسِ طاهرةٌ

والذنبُ ذنبي… أنا أغوانيَ العنبُ

ناديتُ “أوَّاهُ يا دانتي” فهبَّ صدى

صوتي.. فكُلُّ زهوري في المدى نهَبُ

(16)

حديثُ الجرائدِ : قالَ لصاحبهِ وهو يكسرُ بلَّوْرِ قلبي بلا سببٍ

غيرَ ما يتركُ الصبحُ من شهوةِ الانكسارِ

بمقربةٍ من رخامِ الصباحِ جلستُ

وكانَ يفتُّ القرنفلَ في قاعِ عينيَّ سحرُ القتيلةِ

مثلَ رفيفِ الحجَلْ

كانَ يهمسُ عن بعدِ أيقونةٍ

– آهِ لو كانَ لي مثلُها… مثلُ تلكَ التي كانَ نخَّلَ مخملَها الأنثويِّ

بلا رحمةٍ  طعنةً طعنةً ديكُ جنٍّ غريبِ الكيانِ ..

استباحَ على ليلِ حيفا البريئةِ / حيفا الشقِّيةِ حزنَ العسَلْ

آهِ لو كانَ لي مثلُها امرأةً

كنتُ أغسلُ أقدامها بدموعِ الشذى

وأجفِّفها بعطاشِ القُبَلْ

كنتُ من لعنةِ الإنتظارِ – انتظاري لغودو- ومن وجعِ الحُبِّ

أحلمُ مُستسلماً لملاكٍ يُهدهدني

أتظاهرُ أنِّي أمَكيِجُ وجهي بزيفِ التبسُّمِ ….

أو أنني لستُ أسمعهما… لستُ أفهمهُما 

كنتُ أصرخُ من جُبِّ حلمي

ومن قاعِ ناري وأقصى جنوني: أجَلْ

لستُ أفهمْهُما… لستُ أفهمُ هذا

الحديثَ الغريبَ وهذا الزمانْ 

(17) 

بماذا أودِّعُ أشعارَ وليمَ بتلرَ ييتسْ ؟

بماذا أغلِّفُ أزهارَهُ ؟

–      هل أغلِّفها بمرايا دمي ؟ –

وبماذا أناديكِ ؟ ماذا أسمِّيكِ ؟

ماذا أسمِّي الكسوفَ الشفيفَ لشمسِ الرخامْ ؟

وهذا الخسوفَ البهيَّ لدَى قمرِ التوتياءْ ؟ 

(18) 

سؤالٌ يحطُّ كصقرٍ رهيبِ اللظى فوقَ عينيَّ مفترساً فوقَ شوكِ الصليبِ رؤايْ

–      أما آنَ لي بعدُ أن أحتفي بأسايْ ؟!

أما آنَ لي بعدُ أن أقتفي فرحي مثلَ قبرَّةٍ هشَّمتها صخورُ السماءْ ؟

أما آنَ لي أن أكونَ أنايَ الوحيدَ بكلِّ اشتباهِ حياتي … وألاَّ أكونَ سواي ؟

فأنا لستُ يا صاحبي الجاهليِّ ..

غيرَ نقطةِ طلٍّ على وجهِ نرجسةٍ

لستُ غيرَ سنا لحظةٍ للحنينِ إلى غزَلٍ أنتَ من خطَّهُ

 في سرابِ النداءِ على امرأةٍ من سرابِ النداءْ

على امرأةٍ …

فضاءاتُ نرجسها أحرقتني 

(19) 

عبقُ العاجِ ينزفُ ممَّن تمرُّ رويداً رويداً بكاملِ زهوتها قربَ تمثالِ ملحي ورملي

بغيرِ انتباهٍ أفتِّشُ رغبةَ صابونها حيثُ لا يعثرُ البحرُ فيها على نفسهِ …

–      كم هلالاً ينامُ على شجرِ التوتِ أحتاجُ ؟

أم كم تويجاً لقلبي بظفرِ السياجِ ؟

لأفهمَ نفسيَ أكثرَ في قربها..

آهِ كم بسمةً تنقصُ الدمعَ في بئرِ يوسفَ فيَّ ..؟!

وكم لحظةً كنتُ ألقيتها كالرسالةِ في وجعِ الماءِ

والنيلُ يجري كهمسِ الكواكبِ تحتَ الضلوعِ .. وفي يقظةِ الحلمِ تحتَ مساماتِ جلدي … وفي الوهمِ يجري .. ولا أستطيعُ اللحاقَ بقيصرهِ

أو مواراةَ أمطارِ حبِّي التي في المساءاتِ تسبقني نحوهُ

–      سوفَ أجري إلى ما يشاءُ حنانكَ فيكَ

 وتجري بصحراءِ جسمي بلا أن يشاءَ الزمانْ 

(20) 

– العيونُ لها ألفُ صوتٍ يرفُّ عليَّ ويخفقُ ملءَ الظلامْ

ألفُ صوتٍ يوحِّدني بفراغِ الزحامْ

أهشُّ بطيرِ الكلامِ على قلقي وأنامُ على الريحِ تحملني للوراءِ

على نهرها ألفَ مليونِ عامْ

سأضمُّ نحيبَ يديَّ بهذا الفضاءِ الفسيحِ الجريحِ إلى خفقاتِ اليمامْ

   وأراودُ قافيتي عندَ هاويةِ المرتقى اللولبيِّ ومقبرةِ البرقِ والكهرباءِ

   أراودها عن أسايْ

–      لستُ نفسي ولا كنتُ شخصاً سوايْ

لستُ غيرَ انهماري الأخيرِ كمفردةِ الماءِ والكبرياءِ بقفرِ الهوانْ

كيفَ أستلُّ من خصركِ العنفوانْ ؟؟! 

(21) 

لن أخيَّبَ ظنَّ القصيدةِ .. ظنَّ يقينِ البياضِ  إلى آخرِ النصِ

 أو آخري في طلول نساءِ الغلامِ القتيلِ

وشعرِ الصعاليكِ … روحِ الملاكِ الشريدِ الضليلْ

لن أهذِّبَ ذائقتي المنتقاةَ بغيرِ الكلامِ الذي يصفُ الفرسَ الجاهليَّةَ

بالخدرِ الأنثويِّ المراوغِ.. والقمرِ الفارسيِّ الصقيلْ

لن أشذَّبَ أزهارَ يثربَ إلاَّ بأزهارِ لوزِ الجليلْ

وسأختارُ قافيتي بعدَ هذا المساءِ المدجَّجِ بالإستعارةِ والزمنِ الإنتهازيِّ

لا لأخطَّ مديحاً لرائحةِ المشمشيَّاتِ .. بل لأقولَ بأنَّ الكلامَ

الذي كنتُ أهذي بهِ منذُ عشرينَ قرناً ونرجسةٍ في أعالي البكاءِ

كلامٌ جميلٌ جميلٌ جميلْ 

(22) 

هل أشيعَ بأني غبارٌ مريضٌ على حافتيها ؟

وأنَّ دمي ليسَ يعرفُ برقاً لشمعِ اخضراريَ يولدُ من راحتيها ؟

هل أشيعَ بأنَّ ضلوعيَ ملحٌ عقيمٌ قديمٌ لأنثى سدومْ ؟

هل أشيعَ بأني غموضُ الشفقْ ؟

وروحي لهيبُ الضحى وحليبُ الغسقْ ؟

وشوقي الأبيدُ عمودُ دخانٍ بصحراءَ يطوي البحارَ إليها ؟

ويشربُ دمعَ الرمادِ الضبابيَّ ….

دمعَ الحياةِ التي قتلتْ شاعراً

وعلى جسدي زرعت كالزنابقِ كلَّ جبالِ الهمومْ …

وأزهارَ سودِ الغيومْ ..؟ 

(23) 

يحلمُ الشعراءُ المريضونَ بالحبِّ يوماً بقبرٍ لهُ أجنحةْ

كأهدابِ عينينِ ذابلتينِ

وحينَ يموتُ النهارُ يحومُ على مذبحةْ

غامضٌ ذلكَ الحلمُ أو مشبعٌ بالتماعِ النجومْ

غامضٌ ذلكَ الحلمُ حينَ يحومْ

(24)

وأذكرُ كانتْ تسوطُ فضاءاتِ روحي بعاصفةٍ من ثلوجٍ ونارْ

وكانتْ تربُّ زهورَ اشتهائي بسمِّ الأفاعي التي استترتْ في شقوقِ الجدارْ

وذاتَ نهارٍ لهُ نكهةُ الرملِ في مرتقى ذكرياتي إلى قمةِ الهاوية

تحسستُ جوفَ طريقي بكفَّيْ ضريرٍ

أضاءتْ لهُ الحلمَ رؤياهُ ….

يستيقظُ النبعُ فيَّ .. وجسمٌ شهيٌّ من النورِ والنارِ

من مخملِ الوردِ والشوكِ … مجراهُ

يستيقظُ الدمعُ في كفِّ ذاهبةٍ في الخريفِ إلى أمنيةْ

ويستيقظُ الشمعُ ملءَ الأصابعِ والسخريةْ 

(25) 

صوتها خنجرٌ من حريرِ المثنَّى

ونهرُ حمامٍ بقافيتينِ يودِّعُ صيفاً دماءَ الأغاني

وينحلُّ مثلَ بهاءِ الأنوثةِ في الأقبيةْ 

(26) 

لن أفكِّرَ إلاَّ بزرقةِ عينيّْ ملاكٍ صغيرٍ تقمصَّ طفلةْ

رموها ذووها إلى النهرِ أو لدجى الذئبِ

ذاتَ مساءٍ مضاءٍ برغبةِ ما في دماءِ الظلامِ

فلم يرتفعْ بعدها الأرجوانُ ليحضنَ فلَّةْ

نشرة الساعةِ الخامسة

تردِّدُ هذا الكلامَ الحقيقيَّ … هذا الكلامَ الشقيَّ

وترغي الجرائدُ طولَ النهارِ

ولوعةُ أيامنا الهامسة

لن أصدِّقَ إلاَّ نصاعةَ زهرِ ملاكٍ تقمَّصَ طفلةْ

لن اصدِّقَ إلاَّ استدارةَ بدرٍ تقمَّصَ وجهاً لها مثلَ سنبلةٍ حيَّةٍ

لن أصدِّقَ غيرَ صراخِ دمي في وصايا الأهلَّةْ

لن أصدِّقَ دمعَ الروبوتِ وشعرَ الهباءِ

ابتسامَ التماثيلِ للساجدينَ لها ….

لن أصدِّقَ إلاَّ الفراشَ الأنيقَ الذي فاضَ

ملءَ السماواتِ والأرضِ من ضحكِ طفلةْ 

(28) 

آهِ أيتها الحكمة المطلقةْ

إمنحي شاعراً هامَ في الصمتِ خمسَ دقائقَ أخرى

ليكتبَ مرثيَّةً في نباتِ البيوتْ

ورائحةِ القهوةِ العربيَّةِ ……

كيْ لا يموتْ ….!

 ………..

تموز وآب 2008

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project