ما ذا أفعل بكل هذه الدموع النازلة
من أعلى نهاري،
مثلما تنزل البطات البدينة من خمها
مسرعة نحو حبات القمح المتناثرة،
و موجات الألم التي كلما مسَّتْني قصيدة
مشطت رمل ذاكرتي، و كشفت عن عظامي.
شاشتي تطل على عالم مشروخ،
و أنا هنا أحدِّقُمشْجُوج الرأسِفي الحياة
وهي ترفل في قميص نومها الوردي،
تلاعب الفرح بأصابعها الكثيرة.
لا شأن لي بك أيتها الخائنة
و لا بكلماتك المتموجة في الهواء
دعيني أعاقر اليأس في كؤوس من جحيم،
ألتحف مسامير الحزن
أغازل الكلمة في بهو العَدَمْ.
ماتت أناشيد الماء
و هي تعارك دقائق الفرح
في صحراء تعبي،
لا يقين بعد الآن،
سألفق لك، أيتها الحياة، تهمة القتل
و أنزل قبو قصائدي العميق
غير مكترث بالربيع
الذي في شقوق نظرتي.
………………..
20.12.2012
لَنْ يُصيبَنَا سوَى الحُبْ
من جاء بهذا القدر مثل نسر جائع
ليحط فوق كتفيها الواطئين؟
سؤال طالما كدر صحو عصافيري و هي تتدرب على الفرح
ثمة يد خفية في الظلام الحالك، حيث الأسماء تذوب في المجهول،
ثمة يد عظيمة تدس الضوء مسامير في عين الأمل
و خيط شديد الدقة يلتف حول كل روح تاقت للربيع.
من أين جاء هؤلاء الطغاة، بعيونهم الصارمة، بجنودهم الأشبه بمفارم اللحم، بنظرتهم الأقسى من شتاء قديم، بنظاراتهم الرهيبة حيث تنعكس وجوه أطفال غائرة.
من أين جاء هؤلاء الجوعى، يشربون دمنا أنخابا في لياليهم المليئة بالكوابيس. من جاء بنا لنكون أعشابا ثانوية خلف جدران قصورهم الفارهة، الأعشاب نفسها تنبثق منها من ألم لآخر أزهار رشيقة تشير للسماء بألف نشيد. الأعشاب نفسها التي تخفي بين تلافيفها عقارب جميلة و ثعابين رحيمة.
نحن هنا أيها الطغاة، احترفنا الأرض و افترشنا ضوء الصباح
منا من يلعب دور الشهيد
ومنا من فتنته شمس الظهيرة فراح يجمع الأدراج صعودا نحو الأعماق،
نحن هنا، منا من يصلي و منا من يشرب الخمر في أقداح ذهبية، منا الطيب الرحيم العطوف الرقيق القلب و منا القاسي يركل زوجته بلا سبب عندما يعود آخر الليل من عدمه السحيق.
لن تمنعا شرعة القتلة عن رؤية الفجر
كل الكتب و إن تعددت مساقِطُها تحاشَت ذِكْرَنا، فليْس عيبا أن نكفُر بحِبرِها الباهِت و نحتمي بأقرب سماءٍ أرضعَتنا أوَّل المطَر.
لا نهاية لهذا العالم إلا بمشيئتنا أيها الطُّغاة، مهما دبَّرتم لهذه الأرض الأكثر استدارة من نهد امرأة جميلة لن يصيبنا سوى الحب.
………….
21.12.2012
الذهب آت لا ريب فيه
جلوسا مثل ناسكٍ فعلت ما فعلت فيه أناشيد الهباء
أعاقر شاشتي الدافئة، لا أبادر إلى الكلمة إلا عندما تصطدم رأسي بسقف العزلة الواهي: العزلة أن تفتقد وشوشة طفلك الوحيد و ضحكته الذهبية لأسباب لا يعلمها إلا جهابذة الاقتصاد في أسواق المال العالمية.
معناها أيضا: أن تلتفت إلى اليمين، إلى اليسار، إلى الأعلى، إلى الأسفل، إلى الداخل، إلى الخارج فلا تجد أحدا يبلسم الهوة العميقة في الرأس.
قاربك المنخور يمضي معطوب الخطوات في مائه العكر، الشمس في رأسك ترتجف من شدة الوقت، الوقت الشبيه بلص بارع يهرب جواهرك الثمينة بدهاء وصمت إلى جهات غير معلومة.
أنا هنا أيها المتسرعون، سألحق بكم حتما و إن كنت أستقل سلحفاة العناد. لا أستجدي منكم رحمة أيها الغائصون في بريق الدماء.
لدي أب، بسبب من شهوته اللعينة جئت إلى هذا العالم، يُدَوْزِنُ دقائق وقتي بأنينه المتواتر، مثل سكين تقطر بالعسل إن لحستها جرحت فمك.
لدي بعض الكتب و بعض القصائد تنتظر في أعلقي درج من يقظتي.
عديدة هي الأشجار التي تشتهيك يا نقار الخشب و أنت تشحذ منقارك في صبيحة مشمسة. لا يغرنك حفيفها في الليالي الباردة، أغصانها ستكون يد المدية التي ستذبحك.
لا تقلق من طقطقة الساعة في حضن الجدار، إن كان الأصدقاء قد تفرقوا كل إلى حرفته فأحرس ظلال حلمك من يقظة قد تداهمك قاب قوسين أو أدنى من بريق الذهب.
اسرح في مراعيك الباهية، الذهب آت لا ريب فبه.
و استمع لوصايا حُمِّلت بها ذات مسٍّ و أنت في محراب الكتابة تتضرع للسماء أن تسقيك حبرا.
كلما قلموا أظافرك،
كلما دفعوا بشراعك جهة الهاوية
تفتقت السماء عن نجم يضيء سبيلك الموحل و تضاريس الرغبة في عيونك.
سأعتنق الأفق دفعا لعويل الظلام في قاموس الألم، راحتي رهينة بسقوط السماء مهشمة بين يدي مثل مرآة معتمة. لي أن أعيد ترميمها كيفما أشاء أو ألقي بها هكذا دون رحمة أو شفقة في وجه الفراغ.
أيُّ قاضٍ يمكنه أن يفصل بيني و بين أفقي
بيني و بين حلمي
بيني و بين ألمي
بيني و بين أملي
ريان هذا الظل النازل من علٍ على أوراقي،
باطلة هذه الفتوى المتلكئة التي يتغنى بها شيخ أعمى القلب،
همِّي كل همِّيأن أشطب الأحرف الزائدة من قصيدتي التالية.
…………………
25.12.2012
أنــين
من عدمه السحيق
يطلع هذا الأنين،
كي يثقب غشاء الصمت الدقيق
المخيم على ذاكرتي.
يرافقني للعمل
في تفان تام و دون ملل
من حركاتي المتكررة.
من هاتفي يطلع قبل الحرف الأول،
و مرة يطلع في حجرة الدرس
فيقطع لثوان دفق الكلام
ثم يختفي في الظلام.
……………..
26.12.2012
أحلام وردة و أحلام سكين
الأعشاب التي تصطك مفاصلها تحت أقدامي
تراني بهيئة جلاد لا قلب له
ثمة أيضا من يراني بحجم قبرة تائهة:
النسر الجائع في الأعالي،
و الحاكم المستبد في عليائه.
له أحلام سكين
و لي أحلام عصفور يسرح
خيبته في البراري
عناده ينمو
تحت وقع ضربات الحداد
كل طرقة تزيد شهوته
للأعناق اتساعا.
له أحلام رصاصة طائشة
و لي أحلام وردة
ترجها الرياح
إذ تشتهي قش غيابي
كما تشتهي امرأة شارب حبيبها.
………………….
27.12.2012