أديب كمال الدين
* عنقُكِ الجميل
ذاتَ حياة،
أردتُ أنْ أقطعَ عنقَكِ الجميل بالقُبَل
لكنَّ عنقكِ استدارَ إليَّ،
فجأةً،
وقطعني إلى نصفين؛
نصف أُصيبَ بالجنون
ونصف أُصيبَ بالحروفِ والجنون.
*
هكذا كتبتُ عن عنقِكِ
بحروفٍ من قُبَل،
وكتبتُ عن غيابكِ الذي امتدَّ
إلى ما شاءَ الله
بحروفٍ من غياب،
بل إنّني كتبتُ عن أشباحِكِ التي طاردتني
ليلَ نهار
بحروفٍ من أشباح.
*
ثُمَّ ترجمتُ ما كتبتُهُ عنكِ
إلى لغاتٍ أخرى،
لا تُعدُّ ولا تُحصى.
إذ ترجمتُ ما كتبتُهُ عنكِ
إلى لغةِ السُّكارى؛
سكارى العشقِ والخمرِ والصَّبَوات،
وإلى لغةِ المُتصوّفةِ والدّراويشِ والعارفين،
وإلى لغةِ المحرومين والمُطارَدين والتائهين،
وإلى لغةِ الغرقى والهَلْكى واللاجئين،
وإلى لغةِ الأحلامِ والأوهام،
وإلى لغةِ الهلْوَسَاتِ والهذيان،
وإلى لغةِ السَّحرةِ والمُشعوذين والمُنجّمين
لكنَّ أفضلَ لغةٍ ترجمتُ إليها
ما كتبتُهُ عنكِ وعن قُبُلاتِك
كانتْ – وا أسفاه –
لغة المحكومِ عليهم بالنفي،
أعني لغة المحكومِ عليهم بالإعدام.
.
* كتاب الأحلام
في الحُلْمِ
أُخبرِتُ بأنّكِ مُتِّ
بعدَ مرضٍ مَجهولٍ ألمَّ بكِ.
فتأسّفتُ طويلاً،
وربّما ذرفتُ دمعتين على ماضٍ قتيل
جمعني بكِ قليلاً أو كثيراً.
وحينَ استيقظتُ من النّوم
دُهِشتُ حينَ عرفتُ بأنّي
كنتُ ميّتاً منذُ زمنٍ طويل،
وأنّي كنتُ فقط
أنفقُ أيامي لأتصفّحَ كتابَ الأحلام.
.
* حياة في قنّينة
قُبُلاتُكِ لا معنى لها
تماماً مثل حياتي التي تعلّمتْ من قُبُلاتِكِ
ألّا معنى لأيّ شيء.
*
قُبُلاتُكِ ساعدتْني على أنْ أصطادَ حياتي
وأضعها في قنّينةٍ عظيمة
وأرميها في عَرْضِ البحرِ.
*
قُبُلاتُكِ حوّلتْني إلى فيلسوفٍ
لا يفقهُ شيئاً مِمّا يقول،
وإلى شاعرٍ اكتشفَ معنى الحروف
دونَ أن يفقه شيئاً عن معنى النّقطة.
*
قُبُلاتُكِ حوّلتْني إلى سفينةٍ تائهة
أكلَها البحرُ سريعاً
ورمى عظامَها على الشّاطئِ المهجور.
*
لكنْ في قُبُلاتِكِ اتّسعَ قلبي كثيراً
فَفَهمتُ سرَّ المجانين
حتّى صرتُ أهذي معهم ليلَ نهار
وهم في سرورٍ عظيم،
وَفَهمتُ سِرَّ الدّراويش
ورقصتُ معهم
حتّى ابتكرتُ لهم
كلَّ يومٍ رقصةً جديدة.
وأخيراً،
في قُبُلاتِكِ فهمتُ معنى السَّماء،
معنى زرقةِ السَّماء،
حتّى أصبحَ قلبي حمامةً بيضاء
تطيرُ أبداً إلى المجهول.
………….
أستراليا