قلب

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مريم سمير

كانت الثلاجة باردة جدا، لكنها أصرت أن تدخل، فلا يمكن أن يدفن دون أن تلقى عليه النظرة الأخيرة، وما إن وضع أمامها الصندوق المعدني وتم فتحه حتى أجهشت بالبكاء لمرآه، نظرت إلى طبيبها تستفهم فرد: هى بقايا مشاعر مخزنة في المخ سرعان ما ستنتهى.

رجعت ببصرها إلى ما فى الصندوق وهمست بحنو: إنه صغير جدا..

أخذت تتذكر بداية القصة، عندما تركها حبيبها وكسر قلبها، كانت تبكى بحرقة شديدة لأيام طويلة، لم تنجح كلمات الاصدقاء ولا دعم الأهل فى إنقاذها مما هى فيه، حتى السفر وتغيير الأماكن فشل فى ذلك أيضا، وفى يوم كانت تطالع شبكه الإنترنت لعلها تجد ما يشغلها فوجدت خبرا عن اختراع جديد يمكن أن يحل محل القلب فى جسد الإنسان، وهنا تحمست للأمر، ذهبت للطبيب واتفقت معه على العملية، حذرها أثناء الاتفاق: لن تشعري بشيء بعد العملية إطلاقا.

أطرقت برأسها إلى الارض وقالت بهدوء: الشعور لعنة. أنا لا أريد أن أشعر بأى شيء. فأومأ الطبيب موافقا برأسه ولكنه قال: ربما الآن لا تريدين الشعور ولكن عليك أن تعلمى أنك لن تشعرى أبدا بعد ذلك حتى أنك لن تحبى من جديد وستفوتين عليك الفرص القادمة.. عليك بالتفكير جيدا.

رفعت رأسها لأعلى وقالت بنفاذ صبر: أنا لا أريد فرصا قادمة مع الحب، كل ما أريده هو السكينة، أنا أوافق على إجراء العملية مهما كانت المخاطر.

لم يعلق الطبيب وإنما رفع سماعة الهاتف وقال للمتحدث: أرجو أن يأتى أحدكم ليجهزها للعملية.

عندما كانو يحضرونها للعمليه علمت أنها ستجرى لها وهى مستيقظة مع استخدام بنج قوى لتخدير منطقة الصدر.. وضعوا ساترا يمنع رؤيتها لما يجرى، لكن عندما أزال الطبيب قلبها شعرت باختناق مفاجئ، لم تستغرق الكثير حتى عاد تنفسها طبيعى فعلمت أن قلبها غادرها إلى الأبد، وها هى الآن تطالعه للمرة الأخيرة قبل أن يدفن. شعرت أن السكينه تغزوها ببطء فمسحت وجهها ثم صاحت: هيا بنا.

وفى المقابر بعد أن غسلوا قلبها بماء الورد كما طلبت وُضع بين يديها فقبلته ثم مسدته الأرض وأخذت تراقب العامل وهو يهيل عليه التراب.

كانت تراقبه بهدوء وهى تشعر أن اللامبالاة تتوسع بداخلها بقوة قاضية على أي شعور آخر، انتهى العامل من دفن قلبها وغادر وقفت صامتة، لدقائق منكسة الرأس، ثم رفعت رأسها بقوة، مسحت آخر دمعة ستنزل من عينيها للأبد وغادرت المكان.

 

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال