سامح قاسم
هذا القلب يشبه حقيبة سفر قديمة
هذا القلب
يشبه حقيبة سفر قديمة
لا قفل لها
ولا أحد يسرقها.
فتحتها هذا الصباح:
تذكرة قطار ممزقة
صورة صغيرة لامرأة تضحك
قصاصة ورق مكتوب فيها:
“انتبه، الحياة قصيرة.”
**
أنا
لا أعرف كيف أشرح للناس
أنني بخير
وأنني لست بخير
في الوقت نفسه.
أنني أستيقظ كل يوم
وأعد خطواتي إلى الحمام
وكأنني أمشي نحو جبهة حرب.
أنني أفتح النافذة
ليس لاستنشاق الهواء
بل لأتأكد
أن المدينة لم تذُب في الليل.
**
صديقتي تسألني:
“متى تكتب قصيدة، أو ترسم لوحة فيها شمس؟”
أقول لها:
الشمس لم تدخل غرفتي
منذ مات أبي.
**
كل الأغاني
تقول إن الحب جميل
لكن لا أحد يُخبرك
كم هو مُرعب
أن تعتاد أحدهم
ثم يموت.
**
أنا لا أريد الكثير
مقعدًا في الحافلة
سريرًا لا يئن حين أستلقي
ووقتًا كافيا لأشرب القهوة
دون أن يُخبرني النادل
أن العالم يحتضر.
**
هذا القلب…
هذه الحقيبة القديمة…
ربما آن أوان رميها
لكنني خائف
أن أنسى شيئًا فيها
يخصني.
****
نحن الذين لا يصلون متأخرين لأن لا أحد ينتظرهم
نحن الذين نفتح الباب برفق
ونغلقه بلا صوت
نحن
الذين نمر أمام الكراسي الفارغة
ولا نجلس.
**
نحن لا نحمل حقائب أنيقة
ولا نظارات شمسية
ولا مفاتيح سيارات
نحن نحمل فقط
اسمًا طويلًا
وبطاقة شخصية
وصورة
لم نعد نشبهها.
**
نحن الذين يشربون القهوة واقفين
ويأكلون الخبز بلا زيت
ويضحكون
كي لا يسمع الجيران بكاؤنا
**
نحن
لا نملك “أصدقاء طويلي العمر”
ولا “حبيبات عائدات”
ولا “أحدًا”
ينتظرنا في المطار
أو يسأل في المستشفى:
“أين هو؟”
**
كتبنا رسائل
وأرسلناها بالخطأ إلى غرباء.
أجبنا عن أسئلة لم تُطرح
واعتذرنا كثيرًا
حتى صارت الكلمة بلا طعم.
**
أمهاتنا
علمتنا كيف نغسل الصحون
لكن لم يقلن لنا
كيف نغسل أيدينا
من الخسارات.
**
أباؤنا
علقوا صورهم على الجدران
ثم غابوا
ولم يخبرونا
من أين نشتري ظلًا
كي نسهر معه في المساء.
**
نحن
الذين لا يصلون متأخرين
لأن لا أحد
ينتظرهم أصلًا.