لفت انتباهي في نصوص المجموعة اللغة الشاعرية التي يكتب بها الفخراني، لتجعلك دائما في حالة الأسطورية التي تسيطر على كل النصوص مع استخدام أسلوب سهل وبسيط لكنه يتميز بالعمق، فالأسلوب الذي كتب به الكاتب مجموعته هو أسلوب السهل الممتنع، كما تجده يهتم بالتفاصيل والمنمنمات التي إذا ماتجمعت تعطيك المفتاح الذي تدخل به إلى الخيالي الذي نسجه الفخراني بابداع وحرفية منقطعة النظير.
اعتمد الكاتب في نصوصه على اللعب فلا تجد نصا يخلو من اللعب ستجده في العناوين، وبين شخصيات قصص المجموعة، وكل هذا داخل لعبة كبيرة هي لعبة الكرة التي لعب بداخلها شخصيات القصة الأولى وهم الصدق والكذب، النور والظلام، والحب .. لتجد أن هذه الكرة هي العالم الذي يلعب معه شخصيات النصوص بشروط مسبقة وضعها الفخراني.
كما ستجد في أغلب قصص المجموعة الموسيقا لاعباأساسيا في هذا العالم الخيالي،ويتجلى هذا في قصة ” عيناها أجمل مكان للحزن “، حين يطلب الحزن من البنت أن يسكن عينيها لمدة محددة، فتقبل هي ثم يعزف لها الحزن مقطوعات موسيقية من تأليفه فتتعود عليه ويقترب من قلبها بفعل الموسيقى فتنسى ماتفقا عليه، وتتمنى أن يظل داخل عينيها ولايخرج منهما أبدا.
أما في قصة ” الساحر ” فقد وضع الكاتب تساؤلا قد لايتوقف أمامه الكثير منا، وهو إذا كان بإمكان الساحر أن يحقق للناس مايتمنوه ويصنع لهم المعجزات، فلماذا لايصنع لنفسه السعادة أو يحقق مايتمناه ويوفر لنفسه مايحتاجه من مستلزمات الحياة من مآكل ومشر وملبس ؟! .. مدخل القصة كان رائعا بطرح هذا التساؤل “إذا كان السحرة يجلبون كل هذا الذهب بفرقعة إصبعين فى الهواء،طوك، هكذا، فلماذا يقدمون عروضهم للناس ليحصلوا على خبزهم يومًا بيوم، هكذا؟!”
الفخراني يرسم في قصة ” المرأة السيرك والرجل الموسيقا ” صورة جديدة لعالمه الخيالي، حيث انه لايجعلهما يتقابلان فإذا مر هو بمكان مرت هي بمكان آخروبالعكس دون أن يلتقيا إلا في يوم واحد فقط من العام،أظن أن مايقصده الكاتب بالمرأة السيرك والرجل الموسيقا، النهار والليل فسيرك المرأة هو النهار الملئ بالحركة والسعي في كل اتجاه، أما الرجل الموسيقا فهو الليل الذي يكون فيه الهدوء والسكينة والذي يناسبه جدا الموسيقا، واستكمالا للعالم الخيالي الذي صنعه الكاتب جعل النهار والليل يلتقيان في مكان واحد يوم كل عام.
في قصة ” فهل يعرف جدها أنها اليوم ستجعل منه بحارا ؟ ” يقدم الكاتب رؤية للعالم من خلال ماتراه البنت التي تحكي لجدها لتعرف في النهاية أنها لاترى، ليخبرنا أن المهم ليس مانراه ولكن كيف نراه؟!، فإذا كان مابداخلك جيد سترى العالم جميل أما إذا كان هذا مابداخلك غير هذا فسترى العالم اسوأ مما هو عليه في الواقع بمراحل.
ماشعرت به وأنا اقرأ مجموعة ” قصص تلعب مع العالم ” كأني مازلت طفلا في حجر جدتي تحكي لي قصصها، فأعيش داخلها وأكون أنا بطلها وتستمر معي إلى أخر يوم في حياتي، هذا بالضبط مافعله محمد الفخراني بي ، حيث أخذ بيدي إلى عالمه المتخيل لأجدني أنا بطل القصص، وأجدني أيضا اتمنى أن أعيش في هذا العالم.
ـــــــــــــــــــــــ
*شاعر مصري