مجيد نفيسى
ترجمتها عن الإنجليزية: غادة نبيل
أغنية العمال الذين بنوّا سجن إيـﭭين
نحملُ ، نحملُ على أكتافنا أحمالاً
من أروقة مظلمة
ونبنى جدراناً عالية
من على سقالات ضيقة
يعصبون أعيننا
وينزعون العُصابات فقط عند العمل
نعمل فى مجموعات صغيرة
يحوطنا جنود مسلحون
من سيقف يحرس هذه الأروقة
ومن سينتظر فى هذه الزنازين
من سيرفع السوط
ومن سيبتلع الألم الحاد ؟
كل ليلة حين نعود إلى غرفنا
نسأل بعضنا البعض السؤال التالى :
” متى سنرفضُ القيام بهذا العمل
أو متى سنحفر نفقاً فى هذا السجن ؟ ”
واحسرتاه ! تبقى أسئلتنا بلا إجابة
وتبقى أيادينا قذرة .
لكن هؤلاء الذين سيتم حبسهم فى العنابر
سوف يحكون كل شىء لأشباحنا
ذات يوم سوف يكتمل أساس هذه المتاهة
وسوف تُدفَن جثثنا تحتها
آه .. أيها الساعون وراء العدالة ممن سيكشفون هذا السر
غيّروا هذا السجن إلى متحف .
________________
25 مايو 1998
فى ذلك المِعطف الكاكى
(فى ذكرى عزت طبايان )
فى ذلك المِعطف الكاكى
بدوتِ جميلة
طويلة ونحيلة
بعظام وجه بارزة
لبستهِ فى حملة للسلام
وليس الحرب
كما يفعل الجنود
لا ! بدوتِ جميلة
فى ذلك المِعطف الكاكى
طويلة ونحيلة
بعظام وجه بارزة .
_____________
7 يناير 1986
إلى صورة
( فى ذكرى عزت طبايان )
أراكِ وسط حديقة
وقد غطت شجيرات الورد الأحمر تنورتك
تبدين واقفة على أطراف أصابعك
لتتمكنى من رؤية أفضل للجانب الآخر
واحسرتاه ! سقطتِ فى ساحة الإعدام
قبل أن يتمكن جسدى من تغطيتك .
كم كان المنظر الطبيعى قصيراً على الجانب الآخر
لكن حبنا ما زال يقف قائماً .
_____________
29 أغسطس 1986
سلال فارغة
فى ظلال الشفق
أنظرُ إلى السلال الفارغة
التى تركتها على طاولة المطبخ
أملأ إحداها بمخاريط صنوبر طازج
مما قمتُ بجمعه من وادٍ ضيق بعيد
وأملأ الآخر بأصداف البحر الأسود :
تُرجّع صدى أصوات المحيطات العميقة
لكن تبقى سلة واحدة
ملأى بالأسرار
تظل تُحدق فىّ .
________
(2002)
أتمنى عودة الماء
حين يعود الماء
سأقوم بالحلاقة
وآخذ حمّاماً
البيت صامت
وأسمع صوت قلبى
آمل أن يعود الماء
قبل أن يقرع جرس الباب .
_____________
(2001)
مسجد الحى
فى حيّنا كان
مسجد صغير
له قبة ولكن بلا مآذن
وكطفل كنت أظن
أن الإمام علىّ تم طعنه فيه .
كان المؤذن ضحوكاً ممتلئاً
يصبغ شعره ولحيته،
يديه وقدميه بالحناء
كان إصبع قدمه الكبير
يبرز من حذائه المقطوع .
كل يوم كنت أصحو فى الصباح
على صوت خواره الحاد
من قمة الجامع
أفكر فى الأولاد المرتعشين
الذين يعبرون بجوار المسجد الفارغ
ليشتروا الأمخاخ والألسنة
الآذان والخدود من فرن الخراف
عن مدخل الحارة
وهم بآثار النوم حول عيونهم
وأوعية النحاس فى أيديهم .
منحت الثورة المسجد مئذنتين طويلتين
بمكبرات صوت على شرفاتها
بما نسف النهارات والليل .
امتلأ المسجد بملتحين يحملون البنادق
ونساء محجبات يقفن فى طوابير
يجمعن بطاقاتهن التموينية الشهرية
من رأس المصلين فى الدولة
قرب محرابه .
لكن المؤذن الضاحك كان قد ذهب
وبدلاً منه جلس
ابن طبّاخ الخِرفان المحلى
على شرفة إحدى المئذنتين
يراقب سكان الحى.
منذ ذلك الوقت ، وأنا أسدُ أذنىّ
حين ينادى المؤذن للصلاة
ولا أعبر مرة أخرى أبداً
بجوار المسجد
خوفاً من أن يقفز فوقى
الملتحون الشباب
ويذبحوننى فى قاعة الصلاة
ثم يغسلون أيديهم المتسخة
فى الميضأة
دون أن يسألوا أنفسهم :
” أحلالٌ سفك دم ’ كافر محارب ‘
فى حرم المسجد ؟ “.
_____________
16 سبتمبر 2010
الليل
يوشك الليل على الانتصاف فى تكساس
وهو قد مضى فى نيويورك
ويشرق فجرٌ جديد فى السويد
فقط فى مدينة الملائكة
الليل لا يهجرنى .
أحتضن نفسى بذراعىّ
أغلق عينىّ
وألقى بنفسى فى الليل
كصخرة وحيدة
ربما فى تكساس
ستنقر الصخرة زجاج غرفة نوم
أو تنزل على سطح فى نيويورك
لكن العالم كرة
والوحشة الثقيلة لهذه الليلة
تستقر فقط على روحى .
أدار الزمان ظهره لى
والأرض
كبئر سوداء
فتحت فمها واسعاً
تحت قدمىّ .
أترك نفسى أعبر كل الحدود
أدور كنيزك
حول نفسى
لكن فجأة
رنين هادئ لمكالمة
يعيدنى إلى الأرض .
الوقت ليس
ظهراً بعد فى أصفهان
وأمى
التى تقص أظافر يد أبى
على الشرفة
سَمِعتْ صوت
صخرة
ارتطمت غاطسة فى فسقية* فناء الدار .
___________________
*فى البيوت الإيرانية التقليدية أو القديمة توجد فسقية أو حوض ماء كبير فى منتصف صحن الدار حيث يقوم أهل البيت عادة بالوضوء فيها.
إلى حلزون
يا أيها المتجول الصغير
ألم تخف من أن تدهسك قدمى الكبيرة ؟
ليلة البارحة فى المطر
تسللت داخل حذائى الرياضى
بحثاً عن مأوى
اليوم
تعود إلى مسقط رأسك الأخضر
وأنا أشعر بالغيرة .
كابول
لكن القٌبّرات لم تنسَ كيف تطير
والحشائش ما زالت تنبتُ من أرض كابول
والأنهار تجددت بثلوج باميرس
بساتين سامانجان امتلأت بأصوات الطيور
تاهمينا ستقف
على جانب الطريق
بلا حجاب ، بومضات من البهجة فى عينيها
و رستم سيترجل عن رَخَش
لن يجد أية محنة تقابله
بل الحب، الحب ، فقط الحب .
هكذا سوف تصمت المدافع
وتصدأ الدبابات تحت الطحالب الخضراء
سوف يعود الجنود إلى ثكناتهم
وذوى العمائم إلى مساجدهم
والأطفال إلى تختتاتهم
سوف تأتى القرويات إلى المدينة
ينادين فى الأزقة:
” أزهار أزهار أزهار “
وسوف ينظر شاعر مدينة ” توس ” * العجوز
إلى الشرق
من نافذة حديقته
ويقول بكلمات ” دارى ” الحلوة :
” آه يا كابول !
لا تتعذبى بعد الآن
لا تسفحى دمك بلا طائل
” رودابا ” * سوف تحل شعرها
– مرة أخرى–
والذى يتدلى من شرفتها العالية
و ” زال ” سوف يصعد إلى حبه .
_________
(2001)
* رودابا ابنة ملك كابول التى تنجب رستم البطل الفارسى ومدينة توس هى مدينة الفردوسى شاعر ملحمة الشاهنامه
إلى أبناء السجن والمنفى
بعد صمت كتائب الإعدام
مازلنا نشعر بحرقة فى قلوبنا
ونحمل جثثهم
على ظهورنا المكسورة .
أريد أن أحول هذا الموت إلى حياة .
كم رفيق
فى سنوات الهزيمة والإعدام هذه
خلق حياة من جنين ؟
أنا أتكلم عن أطفال السجن والمنفى
شيشما ، روزا وسولماز *
أريد أن أحول هذا الموت إلى حياة
مثل إبريق ماء
يمتلئ بطزاجة الربيع
ومثل وردة حمراء
تتفتح من شفتىّ الوردة
ومثل كلمة سولماز
تظل خضراء للأبد
سأنخل وأطحن وأٌنَعَم هذا الموت
إلى أن يشكّله أبناء السجون والمنفى
فى عجينة لِلَّعِب .
أناديكم أيها المواليد الجدد لسنوات الألم
التماسيح فى رسومكم
بلا أسنان
لأن أسماء أصدقائهم
لم ترد أبداً على شفاههم .
أريد أن أحول هذا الموت إلى قصيدة
يمكن قراءتها كالسحر
حيث تُذكرك جثة فراشة
محمولة على النمل
بالموتى .
أريد أن أحول هذا الموت إلى حياة .
_________________
*معنى هذه الأسماء بالترتيب : الربيع ، الوردة ، و إلى الأبد . شيشما هى ابنة شقيق الشاعر والذى تم إعدامه فى سجن إيـﭭين فى شتاء 1983
وُلِدتُ بين موجتين
وُلِدتُ بين موجتين
وحياتى كُتِبَت على الرمل
كنت شاعراً مراهقاً بشَعرٍ مُشعث
خبأ أحزانه فى نهدىَ فتاة
على شاطئ بحر قزوين
ذات يوم اختفت
فى تحديقة أبيها
فألقيت نفسى على الرمل فى غضب
وتركت الموجة تجذبنى نحو البحر .
ثم عدتُ كطالب مُتحَدٍ
وبعيداً عن تحديقة الشرطة
كتبتُ على السطح الرملى لمنطقة المَدّ :
” تحيا الحرية !
يحيا اتحاد الصيادين وزارعى الأرز ! ”
الآن أنا مهاجر
مستدفئ بنصف زجاجة فودكا
أدفن أحزان سبع سنوات فى المنفى
فى المياه الضحلة للمحيط الهادى
ومع كل زجاجة فارغة
تعود للشاطئ
أصرخ فرَحاً .
__________
8 أغسطس1990
لا تكسر المرآة
” اُنظُر فى مرآته
لترى نفسك
آه ، أنت يا من تخبئ وجهك
وراء العمائم واللحى
لسنوات
أنت تقول إنك من الله
لتتعقل
حتى الشيطان ليس نداً لك
ليس بعيداً ذلك الوقت
الذى لن تُسمَع فيه طرقعة صندلك
على شوارع المدينة
وحيث يكون ارتداء أردية لاهوتية
مسموحاً به فقط فى المعابد
لا تكسر المرآة
فالمشكلة ليست فيها “.
________
تمت كتابتها عقب الفتوى الدينية ضد فنان الراب والمطرب الإيرانى شاهين نجفى
غزة .. استيقاظ !
هناك يبيعون حلمين :
واحد للعودة إلى ” الأرض الموعودة ”
والثانى لإحياء ” الخلافة ”
وما تم نسيانه
هو الإنسانية .
الأطفال الذين يضعهم أحد الطرفين فى خطر
ينسفهم الطرف الآخر
تخلُّوا عن كوابيسكم الدموية
اتركوا المستقبل
يحرر نفسه
من نير الماضى
ولتعش دولتان
بجوار بعضهما البعض
استيقاظ
استيقاظ !
__________
1 أغسطس 2014
الأمل
إميلى ديكنسون تسمى الأمل طائراً
حطَ على روحها
ودون أن يطلب البذور
لا يتوقف عن الغناء
أنا رأيته مثل صرصور الليل
ظهر فى أحلام طفولتى
كبر فى أشعار مراهقتى
واختفى فى صخب الانقلاب *
اليوم أنا وحيد فى المنفى
ومع هذا ، حين أذهب إلى الشرفة
لأسقى الوردة الوحيدة فى بيتى
أسمع صوت صرصور الليل
ينادينى
من خلف بامبو الجيران .
__________
3 نوفمبر 2012
*يقصد الثورة الإسلامية فى إيران
فى شارع بائعى الكتب فى بغداد *
رأيتُ المتنبى عائداً من فارس
كان قد سمع صوت دجلة بجانب نهر قُور
يناديه للعودة إلى بغداد .
فى طريقه عائداً، كان قد منح سيفه
للثوار القرامطة فى ﮔناوه
لأنه أدرك منذ ذلك الحين
أنه لن يكون له صديق سوى القلم .
قال مُحدثاً نفسه : ” أنا المتنبى ، شاعرٌ ونبىّ ورجلُ سيف
انتقلتُ من صحراء الكوفة
مع بدو ثورة القرامطة
باحثاً عن سر الأخوة
ذهبتُ إلى حلب مع الأمير سيف الدولة الحمدانى
لأواجه الفرنجة الصليبيين
سافرتُ إلى فارس مع عضُد الدولة الديلمى
لأنشر بذرة الشعر العربى .
الآن كل ما أريده هو العودة للعراق
فقط لأنظر من جسر بغداد
إلى الصيادين فى قواربهم التى كقشرة الجوز
وهم يحركون المجاذيف برقة على نهر دجلة
أريد رؤية الصابئة المندائيين الغنوسطيين
وهم فى مناشفهم البيضاء
يتوضئون فى المياه الضحلة
بينما ينظرون إلى نجمة الشمال ،
أريد شراء حساء العدس وسمك المزﮔوف (المسكوف)
المشوى على عِصىّ الرمان
من المُتعشين فى شارع أبى نواس
كم سيكون مُبهجاً أن أتمشى
بقربِ قصبات النهر
أشاهد قبلات حبيبين
من خلف نخلة
كم سيكون مُبهجاً أن أجلس بجوار عازف الهارب العجوز
أستمع إلى حكاية نهر دجلة
يتدفق من الجبال إلى الخليج الفارسى ،
كم سيكون مُبهجاً أن أذهب إلى الحمام التركى
قبل أذان الصلاة
أُسلّم جسدى للأصابع المحتضِنة ،
واللّوفة المُخملية والصابون ذى الرغوة
وحين أتناول المناشف الجافة
أطلب كوباً من الماء المُثلّج من رجل البهو
ثم أذهب بمزاجٍ سعيد
إلى بيت الحكمة
وأرى التماعات البهجة
فى عيونِ الشباب “.
حَدّثَ المتنبى نفسه قائلاً :
” ها أنا أعود طفلاً مسحوراً
باللعب بالكلمات مرة أخرى “.
وبينما كان ينظر من فوق جسر بغداد
لم يرَ سوى الدم
ينثال باستمرار من نهر دجلة ،
كان الصيادون يصيدون الموتى
كان المزارعون يزرعون العظام البشرية
كانت الأمهات تلدن أطفالاً بلا رءوس
خلف الشجيرات وقباب الرمل
كان مقطوعو الرأس يركضون فى مياهٍ ضحلة
وكل سقّا يصرخُ فى الأزقة :
” دمٌ طازج ! دمٌ طازج ! “
وعلى صف بائعى الكُتب، كان ضفدعٌ أحمر
يغطى السماء والأرض
كان محمد مُجلِّد الكُتب
يبحثُ بين الأنقاض
عن رأس أخيه المقطوع ،
كان والد حسين بائع الحمص المتجول
يتكلم مع إحدى فردتى حذاء ابنه ،
كان ” شطرى ” بائع الكُتب المتجول يبكى بحرقة
يعدو وراء أوراق الشِعر نصف المحترقة
فى حارات الجانب الشرقى من نهر دجلة
وهو ” يدندن ” بأحد أبيات المتنبى :
” أنا الذى نظرَ الأعمى إلى أدبى / وأسْمَعَتْ كلماتى من به صَمَمُ ” .
وقف المتنبى
رداؤه ملتصقٌ بجسده
وغطاء رأسه مُبتلٌّ بالدم .
سأل نفسَه :
” الناس أم الكتب ؟
الكتب أم الناس ؟ “
هل يجب أن يضع القلم
ويحمل السيفَ مرةً أخرى ؟
لم يجب نهر دجلة
كان يجرى بسرعة
مثل سهم أُطلِقَ من قوس .
_____________________
*كُتِبَتْ عقب التفجير الذى وقع فى شارع المتنبى الشهير ببيع الكتب فى بغداد 5 مارس 2007
أكتب لكِ قصيدة
أكتبُ لكِ قصيدة
مثل ” عشق ” الكلمة الفارسية التى تعنى الحب
حيث الحروف متشابكة
من النافورة السحرية حيث تغسلك
الـ ” عين ”
إلى الأسنان الحلوة لابتسامة الـ ” شين ”
والقمة الدائرية المنيعة لـ ” القاف ”
أكتبُ لكِ قصيدة
مثل ” آزادى ” الكلمة الفارسية للحرية
حيث الحروف غير متشابكة
من المد العالى لبحرها
إلى خضرة جبلها ” ألف ”
من الضغط الذى أحنى
أعمدة حروفها الثلاثة
إلى كمال حروفها الأربعة
من الألف إلى الياء
وانفصال أصابعها الخمسة
التى تشكلُ يداً واحدة .
أكتبُ لكِ قصيدة
عن ” عشق ”
يتجذر مثل مجد الصباح
وعن حرية
تم اقتلاعها .
__________
15 يناير 1986
*الشاعر يلعب على حروف كلمة عشق التى احتاج لشرح حروفها ودلالات ذلك لقراء الإنجليزية ورأينا حذف هذا نظراً لكونها واحدة فى العربية والفارسية . عدا هذا حرف قاف هنا يُقصد به جبل قاف المذكور فى الشاهنامه . أما آزادى فمن آزاد وهو أيضاً اسم ابن الشاعر .
لا أستطيع أن أصدق أيها العقيد القذافى
لا أستطيع أن أصدق أنهم قبل الموت
أهانوك بجزء من عصاة
وكنت قبلها بشهور
تتبجح بغضب أنك
ستزحف على زنقة زنقة
وتفتش بيتاً بيتاً
لتطهير كل ليبيا
من نساء ورجال شجعان
أخيراً تمردوا عليك
بعد سنوات من القمع .
من كل مدرسة فكرية
تعلمتَ أسوأ درس :
من القوميين تعلمت استعراضات مضادة للإمبريالية
من الشعبويين تعلمت كراهية الحريات الفردية
ومن الثيوقراطيين تعلمت العودة للماضى .
حين أخرجوك
من ماسورة صرف فى طريق سرت السريع
رجوتهم قائلا :” يا أبنائى !
لترحموا أباكم “
لكنهم دون رحمة
انتهكوك بعصاة
وأنهوا عصرك
بثلاث رصاصات .
كم هو أليم
فى السنوات الإثنين والأربعين الأخيرة
بكل غرف تعذيبك وأنصارك السياسيين
أنك لم تُعلّم ضحاياك
أى شىء آخر .
الكنز المحدد بعلامات
ثمانى خطوات من البوابة
ست عشرة خطوة قبالة الحائط
أية لفيفة تذكر هذا الكنز ؟
أيتها الأرض !
فقط لو بإمكانى أن أقيس نبضك
أو أصنع دورقاً من جسدك .
واحسرتاه ! أنا لستُ طبيباً.
لستُ خزّافاً .
أنا محض وريث، محروم
يتجول باحثاً عن كنزِ محدد بعلامات .
آه أيتها اليد التى سوف تدفننى ،
هذه هى علامة قبرى :
ثمانى خطوات من البوابة
ست عشرة خطوة قبالة الحائط
فى مقبرة الكفار .
________________
*عن عدد الخطوات التى كان على والد عزت طبايان وزوجها مجيد نفيسى أن يقطعاها – بشكل تقريبى – للوصول إلى ما يُفترَض أنه مكان عزت فى ” مقبرة الكفار” الجماعية
زهرة النرجس
حبيبتى لها زهرة نرجس فى فمها
تذكارها من سجون إيران .
أعلم أنه كل ليلة
من وراء القضبان
يمكن للمرء أن يرى أثر الزهور
على وجه القمر
وأن يسمع نهاراً
الأجنحة المرفرفة
للكراكى المهاجرة فى السماء الزرقاء.
أعلم أنه تحت الجفون
والقبضات المحكمة الغلق
والصمت الخالى من السلاح
بين إعدامين
والبياض الشاهق للحروف الأخيرة،
لمعانى النقرات الوحيدة على الجدران
ولثنيات الحزن الندية
ولمحات السعادة التى تم تمزيقها
ولتجويفات محجرى الألم
وللضوء الشحيح للأمل
ولذرى الغرور المغطاة بالسحاب
يمكن للمرء
نعم ، يمكن للمرء
أن يُخفى الربيع ،
ومع هذا يذهلنى
كيف يمكن لأحد فى الأسر الأسود
أن يرفع زهرة نرجس
لم يتلوث نقاؤها
بالدم .