قصائد من ديوان “ما يبقى من الوزن الزائد”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هبة عصام

* كَـ نومٍ يفتحُ عينيهِ.
.

ميكانيزم 

اليومَ أيضًا
أرصُّ الكلماتِ الحادّةَ خلفَ الأبوابِ،
وأُثبِّتُ الميكروفون
في فروةِ الجروِ الصغير.
اليومَ يزيدُ وزني
كيلو جرامًا آخرَ مِن سوءِ الظن،
وأَرشُّ القسوةَ فوقَ رؤوسِ المارةِ.
اليومَ أيضًا أبدو كوحشٍ بَريٍّ،
و غدًا.. سأُلوِّنُ زجاجَ المنزلِ
كي لا يلمحَ العابرونَ
هشاشةَ الجدران.

………………………

سحابةٌ حولَ قلبي 

تقتربُ السماءُ،
لكنَّ النملَ يجوبُ أطرافي،
يحفرُ أنفاقًا في العِظامِ
ويشدُّ الحبالَ إلى بعيد.
تقتربُ ولا أحدَ يفتحُ النوافذَ
غيرُ شبحٍ عرشُهُ في الهواء،
له سيّدٌ يقفُ خلفَ وجهي،
لا تُظْهِرُهُ المرايا، لكنني أراهُ فجأةً
حين ألتَفِتُ.
الكوابيسُ عتباتُ الجنونِ،
وهذا الصباحُ مزركشٌ بالقهوةِ
وحافلاتِ المدرسة.
أحتاجُ غرفةً عازلةً لأن الألمَ له صوتٌ،
والخوفَ له صوت.
تقتربُ السماءُ،
وَيَلُفُّ اللهُ السحابةَ حولَ قلبي،
يخبرني عن وردةٍ بُعِثَتْ هُنا،
فأُخبرهُ عَن حسابٍ
عالقٍ هُناك.

……………………….

نوستالجيا

الحنينُ صُوفِيٌّ تائِهٌ
وَجَدَ طريقَهُ حين وَارَبْتُ البابَ،
واعتكَفَ طويلًا،
رَتَّبتُ لَهُ حقيبةَ السفرِ
وتذكَرةً بلا عَودةٍ،
لَكِنَّهُ ادَّعَى المَرضَ ونامَ بنصفِ عينٍ
وفَمٍ مفتوحٍ على آخِرِهِ.
كثيرٌ مِن القسوةِ لن يكفي
لأُلقي بِهِ مِن شُرفَةٍ مُتَهدِّمة.
الحنينُ صُوفِيٌّ بائِسٌ
يَأْكُلُني قِطْعَةً قِطْعَة
ليَسْتَرِدَّ عافِيتَه.

………………………………

سِحرٌ قديم

حينَ تنتهي اللعنةُ،
سأضعُ ضحاياها أَجِنَّةَ زَهْرٍ في ذاكرتي،
وآخِرهُم في طينٍ وماءٍ.
لا ضغينةَ، الآن فهِمتُ!
منذ ألفِ عامٍ كنتُ راهبة ًهاربة.
منذ ألفينِ..
على سفحِ جبلٍ كانَ موطني،
كنتُ الصغيرة َابنة َالخبازِ،
قتلَني مُزارعٌ شَبِق.
منذ ثلاثةٍ.. كنتُ ساقِية َالمطرِ،
أمضغُ الثلجَ على شواطيء َبعيدةٍ.
منذ أربعةٍ..
كنتُ أسطورةً تعودُ الآنَ،
الآن فهِمتُ..!!

……………………

مِزاجُ النخلةِ

ببساطةٍ.. غيّرتُ رأيي،
ربما الأبراجُ تعاركتْ هناكَ
وأيقظتْ مِزاجَ النخلةِ،
ربما تلك اليدُ الممدودةُ
لم تدركْها الغوايةُ،
قبل أن تنسحبَ مِن جديدٍ
إلى فوق.
لَكِنَّ أظافري الهاربةَ إلى الشمسِ
تحملُ الحِنَّاءَ القديمةَ،
ونشوةَ مَن خَربَشَ الهواء.

………………………

رسائل

الرسائلُ ليستْ لكَ،
ربما لبقعةٍ فوق وجهٍ قديمٍ،
لشهيقٍ ينتظرُ زفيرًا،
لعُملةٍ قبلَ إلقائِها في البئرِ،
بئرِكَ الصالحةِ لمياهٍ ثرثارةٍ،
بغطائِها المحكمِ.

الرسائلُ قطعًا ليستْ لكَ،
وإن كان عليك استقبالُها كلَّ صباحٍ
في بريدٍ إليكترونيّ.

…………………………………

جِنازةٌ هِندية

جثتُكَ الهاربةُ مِن تشخيصِ الأطباءِ
وتصاريحِ الدفن،
خبأتُها شهرينِ تحتَ وسادتي،
لكنَّ خنفساءَ من القبورِ البعيدةِ
أتلفتْ جدارَ الغرفةِ،
الآنَ تغرزُ مِخلبًا،
تحفرُ في رأسي والوسادةِ.
غدًا سأنزعُ اللفائفَ عنكَ
والدماءَ عن جبهتي،
سأحجزُ تذكَرتينِ إلى الهندِ،
وأشعلُ المَحرقةَ بكتابٍ عن الانتظارِ،
نُسختُهُ الأخرى ليستْ معي.
سأبعثرُ رمادَ الكلامِ الذي ماتَ بغتةً
ولم أستطعْ دفنَهُ.
وعلى جِذعِ شجرةٍ
سأربطُ شالَكَ الحريريَّ
وأشنقُ أغنيةً لنا.
ربما أرفعُ عيني قليلًا
فأُوقِف الدموعَ العابرةَ إلى تاجِ محل،
أَتركُ على بابِهِ
ميداليةً كانت تشْبهُهُ،
وآيةً مشغولةً بالفضةِ والحنين.

……………………….

أقراصٌ منوِّمة

بين لمبةٍ باهتةٍ
وظلالٍ تُقشِّرُ جدراني البرتقاليةَ،
أتركُ تعبي لنومٍ طويلٍ
فيما يتلوّنُ الغبارُ فوقَ نافذتي.
لا بأسَ أن تقفَ الحياةُ
على أعتابِ سريري
أصواتًا وصورًا مُرتبكةً،
غير أني تعبتُ مِن تفسيرِ الإشاراتِ
وقراءةِ السماء.

………………………………………..

أضغاثُ أحلام

الرّاقدون هناك هَادِئون
كَوَسَائدَ بَيْضاءَ،
لماذَا انتَفَضْتَ فَجْأةً
تصنعُ حُفْرتيْن في يَدِي؟!
هلْ مَهدْتَ طُرقًا للـ “كانيولا”*
دونَ ألمِ البحثِ عن أَوردَةٍ
لا يَهربُ مِنهَا الدَّم؟!

.

*الكانيولا.. إبرة تُثبَّتُ في الوريد.

………………………………

رِهانٌ بين سماءين

يختبرُ هزيمةَ الوقتِ في يدهِ المرتعشةِ،
الرقمُ كما هوَ،
رُبَّما الآنَ يحملُ كُنيَةً أُخرى،
ليسَ لأنَّ شيئًا تغَيَّر،
لكنَّه اعتادَ طِلاءَ القلبِ
بقِشرةٍ رمادية.

في قارةٍ قريبةٍ
ثمةَ أشياءُ لم تَعُدْ كما كانتْ.
في كُلِّ صباحٍ
ثمةَ ضبابٌ يسكُبُ نفسَهُ
داخِلَ فنجانٍ،
وبنتٌ تشربُهُ دونَ سُكَّر!

مدنُ الرَبِّ حوائطُ كثيرةٌ،
ساعاتٌ مُعَلَّقةٌ على كُلِّ شبْرٍ،
الساعاتُ الراكضةُ دونَ وَعْيٍ
والساعاتُ المعطلةُ دونَ اكتراثٍ،
كَـرِهانٍ بين سماءين.

الآنَ..
إلى أيِّ سماءٍ نتوسَّلُ أنْ ترفعَ يَدَها؟
اللعبةُ لم تَعُدْ حُلوةً،
الحنينُ كلعنةٍ أبديةٍ
وإنْ وَجَدَ طريقَهُ إلى فُوَّهَةٍ خامدةٍ،
لم يكنْ مُرِيحَا أبدًا.

…………………………………

إبريل

كأنها إيزيسُ حيثُ تنظرُ
تتجدَّدُ الأساطيرُ ملعونةً بالخلودِ.
كأن المعابدَ التي حفظتْنا على جدرانِها
حَشَرتْ في جيوبِنا سحرًا قديمًا.

ربما الصُدفَةُ أفخاخٌ بيضاءُ،
ربما الإرادةُ وهمٌ،
ربما نحن عرائسُ قماشيةٌ،
وربما حرَّكَتْكَ الخيوطُ
دون وَعْيٍ مِنك،
فلا مبررَ للقتلِ.. إلا المشيُ نومًا.

إبريلُ ليس تعبًا يتفتَّحُ كلَّ عامٍ،
ليس المسلسلات التي نشاهدُها معًا
(نتخيلُ أننا معًا)
نتخيلُ أكوابَ الشَّايِ
وحديثًا مُتقطِّعًا تحتَ غِطاءٍ شتويٍّ،
ليس طفلةً سمَّيْتَها سَلْمَى
(نتخيلُ أن اسمَها سلمى)
نتخيلُ غرفتَها المراهقةَ،
مِزاجَ الألوانِ، وربطةَ الشَّعرِ،
ليس هذا البيت الذي بنيتَهُ معي
ثم دفنتَني تحتَهُ..
ليس كلَّ الخياناتِ الكبيرةِ
فوق البلاطِ الباردِ،
لكنه القتلُ القديمُ الذي لم ينتَهِ بعدُ.

…………………………………

أنساك

بكلِّ هذا سمحتُ..
للفئرانِ أن تقضمَ أظافرَ قدميَّ،
للقططِ الصيَّادةِ أن تُقدِّمَ الكذبَ
في قهوةٍ صباحية،
للغربانِ أن تنعقَ في أذني
وتسقطَ مَيْتَةً حين تغنِّي أمُّ كلثوم:
«أنساك دا كلام؟! أهو دا اللي مش ممكن أبدا»
ولكي يكونَ ممكنًا.. بكلِّ هذا سمحتُ،
للفئرانِ، والقططِ الصيَّادةِ، والغربانِ،
أن تجعلَ المسافةَ غائمةً
كمرآةٍ قديمةٍ،
باهتةً كما تمنيتُ!

…………………………………

قويةٌ كالموتِ؟!

مَن يدفعُ الفاتورةَ عند الله..
أَن تستيقظَ وردةٌ على مِشنقةٍ
أَن يَجُرَّ النعوشَ لطفاءُ طيبون
أَن تختنقَ زُجاجةُ عِطرٍ ملفوفةٌ في هدية؟
المحبَّةُ ضعيفةٌ كالحياة.

مَن لوَّنَكَ بالأبيضِ؟
الأبيضُ لا يَضحَكُ، الأبيضُ أضحوكةٌ،
الأبيضُ نجمةٌ غارقةٌ في شُرفةِ
رجُلٍ مائِيّ،
الأبيضُ حدُّوتةُ النِبال.

ألم أُحذِّرْكَ مِن أنها بئرٌ مسمومةٌ؟
كيف جعلتَ مِن زاويةِ الحائطِ
كَفَّينِ يحتضنان وجهي؟!

……………………

قُلْ اكتفيت

يسألونَكَ عن الرُوحِ،
قُلْ اكتفيتُ.
في كلِّ يومٍ أشعلُ مائةَ نجمةٍ
وأتوسلُ السماءَ،
أغضُّ الطرفَ عن خطوطٍ
تحفرُها الخيْبةُ،
ودوائرَ تجتزُّ أحشائي كي تكتمِل.
أنا بِضعَةُ إخوةٍ يحفرون قبري،
وحين يكتملُ التصويتُ
سأموتُ بهبوطٍ في ضغطِ الدمِ.
وقتَها..
سأكفُّ عن إرسالِ الوَردِ
إلى حضنِ الترابِ،
كُلَّما اشتدَّ البرد.

مقالات من نفس القسم