قصائد من ديوان “بشر بأحجام دقيقة يكبرون في تجاعيدي”

بشر بأحجام
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بعدما أموتْ

لا أريدُ

بعد أن أموتَ

أن أتحوَّل إلى “مانيكانٍ عجوز”

يقفُ وحيداً وراء الزجاجِ

كشبحٍ محشوّ بالقطن

خرج لتوِّه من الخدمة،

ليُمثِّل دورَه الأخير

في ذلك الفراغِ الملوّن

الذي تملأه البالونات.

 

لا أريدُ

بعد أن أموتَ

أن أُصبحَ “ساعةَ حائط”،

تنامُ في مكانِها عُمْراً كاملاً

من أجل أن تُحصي النّدم،

مع كل تكّة تمرَّ من العُمر،

لدرجةِ أنها

قد ترى اللصوصَ يدخلون خائفين،

ولا تستطيع

ـ حتّى ـ

أن تهشَّهم.

 

لا أريدُ أن أكونَ

نافذةً واسعةً

وسط المقابر،

حين أشرب أرتوي من دموعِ الحزانى

وحين أجوع

لا آكل إلا من خُبز “الأرواح”.

إن كان ولابد

أن أكون شيئا

بعد أن أموت،

أتمنى أن أصبحَ عصفوراً نيلياً صغيراً،

يبني بيتاً هشّاً

فوق الشجرة العتيقة،

التي تُلقي برأسِها في النهر،

لأرى

ـ حتى وأنا أموت ـ

آخرَ قطرةِ ماء

أرسلتها العنايةُ الإلهية

وهي تذوبُ

عائدةً

إلى أمّها الأرض.

……………………..

كبيتٍ تحنّ إليه الذّكريات

 

أعتقد أنكَ شاهدتَه،

يُحلق مُرتجفاً بين البيوتْ

رفرف بالقربِ من رأسك،

ذات مرة

وغني ـ كعادتهِ ـ بصوتٍ رفيع.

..

أنا صادفتُه اليومْ،

كنتُ في الطريقِ وحْدي

ذاهباً ـ كالعادة ـ إلى المعركة،

فتوقفتُ لأنظرَ إليه،

كان يزأر منتفضاً

معلقاً قشَّة من شَجرِ الخريف،

بين فكَّيه

بينما يطيرُ بإصرارٍ بين البيوت.

صدِّقني،

هذه القشة،

التي كان يُنتظر منها أن تصيرَ بيتاً،

وأن تمنح الدفء ذات يومٍ

للصّغار،

هذه القشّة

الخارجة من قلبِ هذا العصفور،

ـ لا من فمه ـ

غادرتْ مستقبلها فجأةً

وسَقَطتْ في يدي،

هذه القشَّة

كبرت الآن

وصارت بيتاً تحنّ إليه الذكريات.

………….

مثل حِفنةٍ من الغبار

 

قريباً

سوف يحملنا الهواء

ـ مثل حفنة من الغبار ـ

إلى بعيد.

 

ـ 1 ـ

 

أخشى ما أخشاه

أن يزدادَ طولاً

ذلك الصف

ـ الطويل جداً ـ

من الدموع

التي

لم

أذرِفْها

بَعد.

 

ـ 2 ـ

 

لا أحب أن أكون من هؤلاء

الذين يملكون البيوت،

بينما تلمع المفاتيح

ـ كالكلاب الوفيّة ـ

في أياديهم.

 

أنا

ـ والحمد لله ـ

من هذه الطيورِ الشقية،

التي تحملُ أعشاشَها

ـ  بين فكّيها ـ

وتمضي.

 

 ـ 3 ـ

 

العمرُ الطويلُ لك،

هكذا يقولُ الناس،

لكن لا أحد يستطيع أن يفهم

كيف ابيض شاربك من هولِ الكذب،

ومنذ متى وهو هكذا..

سحابةُ بيضاء لا تُمطر إلاَّ في فَمِك.

 

ـ 4 ـ

 

هذه ليستْ نجمةً

عالقةً في سماء الله المظلمة،

هذه دمعة فضية

علقها الحنينُ

في ذيلِ القمر.

 

ـ 5 ـ

 

أحياناً

أخبيء الأيامَ في الكتب،

ثم أدفنها تماماً في الأحلام،

كجملةٍ فعليَّة مرَّت

ـ بالخطأ ـ

أمام حادثٍ عظيم.

 

ـ 6 ـ

 

طويلٌ

وصدئ..

مثل مفاتيح البيوتِ القديمة،

هذا العُمر الذي أحمله على ظهري.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صادر مؤخرًا عن دار منشورات المتوسط في ميلانو الإيطالية 2023.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

بستاني