أحمد جمال مدني
عَلَى الأَرْضِ والأَشْجَارُ تَسحبُ ظِلَّهَا
بَكَى حَجَرٌ يَوْمًا وَبَلَّلَ رَمْلَهَا
وَحَدَّثَنِي عَنْ قَرْيَةٍ ضَاعَ صَوْتُها
وغِرْبانُها حَطَّتْ على الرَّسْمِ رَحْلَهَا
وحَامَتْ صُقُورٌ فوقَ بُرْجِ حَمامِهَا
وأعطَتْ لدَلَّالِ المدينةِ نَخْلَهَا
وَمِنْ يَوْمِهَا المزمارُ لا يُطْرِبُ الخُيُولَ
والوَتَرُ المَشْدودُ حُلَّ وَحَلَّهَا
فلا قائِلُ الموَّالِ أَخْفَى شُجُونَهُ
ولا الفَارِسُ المِغْوَارُ أَوْقَفَ نَصْلَهَا
تَرَحَّلْ عَنِ الأَرْضِ التي لا تَرَى بِهَا
سِوَى الليْلِ يَغْشَى، فالضَّبَابُ اسْتَحَلَّهَا
فلا ذلكَ المِكْيَالُ يَعْرِفُ كَيْلَهَا
ولا ذلكَ الميزانُ يَعْدِلُ مَيْلَهَا
وما شُفْتُها إلا تُنَاقِضُ نَفْسَهَا
تُبَارِكُ أَغْرَابًا وَتَلْعَنُ نَسْلَهَا
وَكَانَ عِيَالُ النَّجْعِ لمَّا تَحَدَّرَتْ
مِنَ الجَبَلِ العالي يُرِيدونَ حَمْلَهَا
وفي جِهَةٍ أُخْرَى تَزِيدُ مِنَ الأَسَى
فكيف لأمٍّ أن تُجافيَ طِفْلَها؟
تَلالَتْ نُجُومُ الليلِ عرَّابُهَا خَبَا
وَمَنْ غَيْرُهُمْ في سِكَّةِ التِّيْهِ دَلَّهَا؟
فقيرٌ، ومجذوبٌ، غنيٌّ، وتاجِرٌ
بَكاها، حَكى عنها، شَراها، أَذَلَّهَا
ومِنْ يومِها لمْ تحمِلِ الماءَ جَرَّةٌ
وأكْثَرُها في النَّاسِ صارَ أقَلَّهَا
وكانَتْ إذا حَلَّتْ ضَفائِرَهَا جَرَى
إلى شَعْرِها ماءُ البُحَيْرَةِ قَبْلَهَا
سَمِعْتُ مِنَ الصَّفْصَافِ أنَّ حَمَامَةً
عَلَى غُصْنِها حَطَّتْ لتؤنِسَ لَيْلَهَا
ولَمَّا طَواهَا الليلُ تَحْتَ جَنَاحِهِ
تَمَايلَ صَيَّادٌ وَحَاوَلَ قَتْلَهَا
فَقُلْتُ القُرَى ضَاقَتْ وَوَلَّى بَريقُهَا
فَهَذَا طَغَى فيها وَذاكَ اسْتَغَلَّهَا
أُرَبِّي مزاميري بعيدًا عَنِ القُرَى
فَمُنْذُ مَتَى الزَّمَّارُ يُطْرِبُ أَهْلَهَا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري