قبل الرحيل

موقع الكتابة الثقافي art 25
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سارة يوسف

قبل آخر ضوء النهار، قلت لكم لا أريد المغادرة، أحببت أن أبقى هنا معكم، كما تعودت، استظل بدفء اللحظة، حتى أراكم جدا جدا، انتظر الصغيرة تأتي، أعنفها على التأخير وبحزم أبوى أخير، أطلب منها أن تهتم بدروسها لتجد كلية مناسبة. أجلس مع ولدي الذي غاب طويلا. أحكي له عما فاتنا معـا، عن أمور لا يتقاسمها الرجل إلا مع ولده، وأبرر له قسوتي المصطنعة وأهمس له أنى أحبه كثيرا.

صحيح أن الحياة عبثية بالنظر لما مر علي. أتعجب أني أحاول جاهدا أن  أتم بناء هذا البيت طيلة عقدين من الزمان. وخلالهما عانيت  فوق موتوسيكل بين القرى والنجوع ليلا ونهارا، أو سيرا على الأقدام لمعاينة حيوان أحد الفلاحين. أعلم أنكم لو تسمعوني الآن سيكون ردكم: كثيرا ما عدت ببيض ولبن، وأجيبكم كالمعتاد: الناس غلابة، سأفتقدهم أيضا.

اليوم جمعة، وفي ليلها وأنا أرقد متقلبا من الألم. سمعت صوت فيلم أبيض وأسود تشاهدونه. لم أستطع أن أحدد اسمه إلا أنى تمنيت ألا يكون “نهر الحب”، ليس لأنى لا أحب فاتن ـ فهذا بديهي ـ ولكن لرفضي قصة الفيلم كما شرحت لكم سابقا.

بالمناسبة، الهواء هنا شديد والنافذة مفتوحة في هذا الليل وهذه المروحة المواجهة لي، أعلم أنكم تخافون أن تفوح الرائحة، ولكن ألا تعلمون مدى ضيقي من هواءها المزيف.

أردت أن يدخل أحد يوقظني، ثم دخلتِ أنتِ. فتحتِ الدولاب المجاور لكنبتي، أخذت حجابا وخرجتِ. حتى وداعا سريعـا لم أنل. كيف أواسيك. الأسبوع القادم سيصدر العدد الأول من جريدتك وسيكتب اسمك مقرونا باسمي. كانت لي خطط لهذا اليوم. كيف سآخذ نسختي وأقرأها على الأصدقاء في القهوة مساءً. لقد رأيتهم وأنا في طريقي للبيت. لوحوا بالأيدى آسفين.

لا داع للقلق. فقد تركت العيادة بخير حال. العهدة والخزينة والمستندات. وإذا كانت هناك بعض الأوراق بحاجة لتوقيعي. فليقم بذلك أحدكم كما كنتم تفعلون بشهادات الشهر المدرسية قديمـا، أتخالون أني لم أكن أعلم.

أتذكر الآن وليس هناك مايكفي. كيف كان البعض ينتقد عدم حرصي على الغد وكيف ذلك؟ وماذا عن الكتب الموجودة في كل ركن من البيت وقصص المدفأة القديمة عن سيدي البدوى والأولياء الصالحين وأغانى أم كلثوم بمواعيدها الثابتة والشعر بين عنترة وشوقي، صلاة الفجر والفلاحين الطيبين وقبل ذلك كله: أنتم.

قال الطبيب: لا بد من المستشفى.

ألم تتذكروا رأيي القديم فيه. ووافقتم. ولما رفضت حملتونى غصبا وعيني معلقة بالساعة: كانت السادسة وفي التاسعة عدت محمولا على الأكتاف، ودخلت أول غرفة مجاورة لباب البيت ونمت على كتبتي التي شاهدت عليها بالأمس مباراة الأهلي. لم أكن أدرك أنها الأخيرة، فماذا عند دوري الأبطال الذي سيقام بعد شهر من الآن؟ وباقي مباريات الدوري  ومباراتي الكبيرة في الدومينو الأمريكانى والذي ما زال منذ الأمس في مكانه بالمكتبة.

في صباح هذا اليوم، لا أقول أني كنت أشعر بما سيحدث. إلا أنى مشيت في جنبات البيت كله. حتى الصالون _الذي لم الاحظ أنه أحمر اللون، إلا الآن، جلست به قليلاً ولوحته الباقية منذ زواجي  كم  أرى تفاصيلها جيدا: نهر وبيت أزرق وورود على جسر أعلاه. . كم أشتهي هذا الصباح المستحيل. .

/١٠

في ظلام الغرفة. أسمع المسجد ينادي اسمي معلنا وفاتي وصوت نحيب متقطع يدنو وترتيبات الغد القاسي وغرباء  يحددون كل شيء وفي الأفق طيف شيخ يبتسم.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون