قبل الاختفاء من الشاشة

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

هذه القصة تشبه الرمال المتحركة، الخطوة الأولى تقودك إلى رسالة كتبها شاب يحلم بالتمثيل إلى واحدة من ألمع النجمات في تاريخ السينما العالمية ليطلب منها مساعدته على الظهور في الأفلام، مستعيناً بأدائه في أحداث شغب نقلتها كاميرات الأخبار، هوس الشاب بأن يكون ممثلاً سينمائياً جعله يتعامل بلامبالاة مع ما أصابه من أذى شخصي، حيث لا يوجد ما يعادل أهمية تحقيق حلمه حتى لو كان كسر الدماغ.

هذه القصة تشبه الرمال المتحركة، الخطوة الأولى تقودك إلى رسالة كتبها شاب يحلم بالتمثيل إلى واحدة من ألمع النجمات في تاريخ السينما العالمية ليطلب منها مساعدته على الظهور في الأفلام، مستعيناً بأدائه في أحداث شغب نقلتها كاميرات الأخبار، هوس الشاب بأن يكون ممثلاً سينمائياً جعله يتعامل بلامبالاة مع ما أصابه من أذى شخصي، حيث لا يوجد ما يعادل أهمية تحقيق حلمه حتى لو كان كسر الدماغ.

الخطوة الثانية ستنزل بك نحو حالة مضادة، (فيلكيس أوتريا) يقول لـ (جريتا جاربو): أنظري .. هنا تحدث الدراما الحقيقية .. هنا يوجد الممثلون الحقيقيون الذين لن يكونوا نجوماً، وتدفعهم الهيستيريا السياسية لدفع ثمن بقائهم بعيداً عن شاشة السينما حتى أولئك الذين لا علاقة لهم مطلقاً بالأمر.

الخطوة الثالثة ستغوص بذهنك داخل العمق الكوميدي للقصة .. الطاقة التهكمية الهائلة المتدافعة من فراغات الرسالة والتي ربما اعتبر الشاب أن توجيهها إلى النجمة الشهيرة نوعاً من التحجج أو لفت النظر أو تمرير الدعابة بواسطة أكثر الطرق هزلاً .. إنه لا يحلم بالتمثيل، بقدر ما يحلم بإدراك طبيعة الفيلم الذي يلعب فيه دوراً لا يخصه .. الطبيعة الأبعد من مجرد وحشية بوليسية أو استبداد سلطة، وإنما تلك التي تتوالى فوق شاشة العرض الأكثر اتساعاً .. الحياة التي نتقن رغماً عنا أداء شخصياتنا لإنجاحها .. اللذة الخفية التي ربما هناك من يستمتع بتدفقها نتيجة حدوث الفيلم بهذه الكيفية .. غرض مجهول يتحقق بفضل تعاقب أزلي لا يهدأ ممن يدخلون ويخرجون دون أن يُطلق عليهم أبداً ممثلين عظام كأقل تقدير .. ما الذي يدعم هذه الخطوة وأعني العمق الكوميدي داخل الرمال المتحركة للقصة؟ .. السند الأول منطقي، ولاشك أن الدعابة تتطلب من ضمن احتياجاتها أحياناً القياس على قاعدة منطقية لتتفجر قدراتها بشكل كامل: من أجل الحصول على فرصة لعرض مواهبك التمثيلية أنت غير مجبر على الانتظار حتى تتواجد بالصدفة وسط أعمال شغب، وتأدية دور ما أمام كاميرات الأخبار ثم تُكسر دماغك .. هناك حتماً أكثر من طريقة معروفة وآمنة يمكن لمن يحلم دائماً بالظهور في السينما أن يحاول من خلالها تحقيق حلمه .. السند الثاني فني وتُشكله اللمسات الماكرة لـ (سارويان): فلنراقب مدى حرصه على أن يؤكد (فيليكس أوتريا) لـ (جريتا جاربو) عدم علاقته بالاضراب وغياب اهتمامه بالأحداث الثائرة .. لم يفعل ذلك مرة واحدة بل تكرر هذا التأكيد على نحو يدعو للاقتناع بروح التهكم المراد تثبيتها .. (سارويان) يقف في زاوية غير مرئية من تغطية النشرة الإخبارية لأعمال الشغب ويضحك .. هو يوميء مبتسماً كذلك في خلفية الرسالة لـ (جريتا جاربو) كأنه يخبرها بأن (فيليكس أوتريا) له علاقة بما هو أكبر من الاضراب.

أنا أيضاً قمت بخدعة في هذه القراءة .. أعطيت عن قصد يقيناً بوجود تدرّج لنزول الخطوات داخل الرمال المتحركة لهذه القصة وهذا ليس صحيحاً .. لقد فعلت ذلك لتفحص ما قد يُعتقد للوهلة الأولى أنها مستويات مختلفة للتأويل، ولكن جميع الخطوات هي في الواقع خطوة واحدة .. غوص فوري، مباشر، تتطابق معه كل الأشياء .. أن تكون مهووساً بالتمثيل في السينما لدرجة التغاضي عن كسر دماغك هو بالضبط  أن تريد معرفة طبيعة الفيلم الأصلي المُسمى بالعالم، والذي تلعب فيه دوراً لا يخصك كي تمنح لذة خفية وتحقق غرضاً مجهولاً دون حتى أن تكون نجماً .. كأنك حينما ستكون بطلاً ذات يوم أمام (جريتا جاربو) في مشهد ما ستعرف بالضرورة من الذي يدور هذا العرض الأبدي لصالحه .. من الذي ينبغي أن يرضى عن أدائك بلا أي مكافأة .. كأنك حينما ستكون بطلاً ذات يوم أمام (جريتا جاربو) في مشهد ما ستعثر على تعويض عن عدم معرفة أي شيء.

عزيزتي جريتا جاربو

وليم سارويان

عزيزتي الآنسة جاربو

أتمنى لو أنكِ قد تابعتِ تغطية النشرة الإخبارية لأعمال الشغب الأخيرة بـ (ديترويت)، والتي كُسرت دماغي خلالها. أنا لم أعمل أبداً في شركة (فورد)، ولكن صديق لي أخبرني عن الإضراب، وبما أنه لم يكن لدي ما أفعله في هذا اليوم فقد ذهبت معه إلى مسرح الثورة. كنا نقف بالقرب من مجموعات صغيرة تمضغ الغضب تجاه هذا وذاك، كما كان هناك الكثير من الكلام الراديكالي لكنني لم أعره أي اهتمام.

لم أكن أعتقد أن هناك شيء على وشك الحدوث، لكن بعد وصول سيارات الأخبار اعتبرته أمراً جيداً. لقد جاءت فرصتي للظهور في السينما مثلما كنت أحلم دائماً، لذا قررت الالتصاق بموقعي انتظاراً لاستغلال الفرصة. كنت أعرف أنني أمتلك هذا النوع من الوجوه الذي يتمناه أي فيلم، القادر على الظهور بشكل رائع على الشاشة. لا أستطيع أن أصف لكِ مدى سعادتي بأدائي في ذلك اليوم على الرغم من الحادث الصغير الذي أبقاني في المستشفى لمدة أسبوع.

بمجرد خروجي، توجهت إلى قاعة سينما صغيرة بالحي الذي أسكنه حيث اكتشفت أنهم يعرضون نشرة الأخبار التي لعبت دوراً فيها. دخلت إلى القاعة كي أرى نفسي على الشاشة. لاشك أنني كنت عظيماً، ولو أنكِ تابعتِ نشرة الأخبار بعناية فلن يمكنكِ إغفال وجودي لأنني ذلك الشاب الذي يرتدي بالطو صوف أزرق، والذي سقطت قبعته حينما بدأ الجري. هل تتذكرين؟. لقد استدرت عن قصد ثلاث أو أربع مرات كي يظهر وجهي في الفيلم، وأعتقد أنكِ شاهدتِ ابتسامتي. أردت أن أعرف كيف تبدو هذه الابتسامة في الصور المتحركة، ولا أحتاج للقول أنها كانت فاتنة فعلاً.

اسمي (فيليكس أوتريا)، وأنا واحد من أبناء الأمة الإيطالية. تخرجت من المدرسة الثانوية، وأتحدث لغتك كأي مواطن أصلي فضلاً عن الإيطالية. أشبه إلى حد ما (رودولف فالنتينو) و(رونالد كولمان). أنا متأكد من أنكِ ترغبين لو سمعتِ أن (سيسيل بي ديميل) أو واحداً من الآخرين أصحاب القرار الكبار قد لاحظني، وأدرك فعلاً كم أنا خامة فريدة للسينما.

رأيت في نشرة الأخبار الجزء الذي فاتني بعد أن أفقدوني الوعي، وما أود الإشارة إليه أن هذا الجزء قد مر كأي حدث تقليدي بكل ما فيه من خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع إلى آخره. لكنني بعد مشاهدة نشرة الأخبار إحدى عشرة مرة خلال ثلاثة أيام، بإمكاني القول أنه لا يوجد رجل آخر سواء كان مدنياً أو شرطياً قد خرج من بين الحشود بالطريقة التي فعلت بها ذلك، وإنني أتساءل إذا كنتِ ستهتمين بهذا الموضوع مع الشركة التي تعملين معها، ومعرفة إذا ما كانت لديهم الرغبة في الاتصال بي لإعطائي تجربة أداء أم لا. أنا متأكد من أنني سأؤديها ببراعة، وسأظل أشكرك حتى آخر يوم في حياتي. الآنسة جاربو: أنا أمتلك صوتاً قوياً ويمكنني أن ألعب دور العاشق بمنتهى الروعة، لهذا أتمنى أن تقومي بهذه الخدمة البسيطة من أجلي. من يدري. ربما ذات يوم، في المستقبل القريب أقوم بدور البطل في مشهد معك.

تفضلي بقبول فائق الاحترام

فيليكس أوتريا

مقالات من نفس القسم

رؤية العمى
كلاسيكيات القصة القصيرة
ممدوح رزق

رؤية العمى