قانون الوراثة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

علاء الديب

لا أرتاح كثيرا لتقسيم الكتاب والأدباء عندنا إلى أجيال "الستينيات والسبعينيات وخلافه"، أراه تقسيما عاريا من المعنى والدلالة، أرى حشود الأدباء والكتاب عندنا  المشتبكين في عملية الكتالة ومحاولة التعبير عن واقعنا المختلف والمتباين ينقسمون أكثر  إلى تجمعات أو جماعات أو مشاريع لمدارس فنية تحمل آثار انتماءات سياسية قديمة أو حديثة، وكثيرا ما تتشكل الجماعة على أساس إقليمي "قاهريون، سكندريون، فلاحون قادمون من برحي، صعايدة أو نوبيون"، تبدو لي هذه التجماعات أهم من فكرة الأججيال: تلامس عالم الكاتب وتشير إلى مادته، ومذاق تعبيره.

ياسر عبد اللطيف من مجموعة قاهرية من الكتاب الجدد، جاهدوا من أجل الحصول على قدر من الثقافة الفنية والأدبية، أغلبهم يقرأ لغة أجنبية، متابعين نشطين لما يمكن الحصول عليه من ثقافة معاصرة، قرأوا وتأثروا بما صار يعرف بكلاشليات الحريات الحريات الأدبية الحديثة، المناهضة فكريا للأمركة والععولمة والمعاصرة التي تحاول طمس أية خصوصية أو هوية وموقف للكتابة”أمريكا اللاتينية ـ وأوروبا الشرقية سابقا” مجموعة تعيش محاولة للتمسك بقيم فنية وإنسانية في قلب واقع طارد بالغ القسوة.

قانون الوراثة روايته الأولى، رواية قصيرة تتكون من مقدمات، ثم أربعة حركات “الفاشيون، الحرب الأخيرة وظلالها الباهنة، جدول اللامعقول، ربيب العائلة”، في الرواية تسجيل شخصي جداوعام في نفس الوقت لصعود شاب من غمار الناس يعيش من جديد تجربة طفولته ومراهقته وشبابه، مطاردا التشابكات العائلية والاجتماعية التي شكلته، بحيث تمتد الاشخصية  على مدى ثلاثة أجيال “أب، وابن، وجد”، تجمعهم قوانين الوراثة وتفرقهم اصاريف الزمان والمكان من النوبة إلى عابدين إلى المعادي، من الطبقة العاملة إلى طبقة الأفندية منتهيا إلى طبقة الأولى طالب الفلسفة يطارد خواد ذاته وواقعه، منذ أن كان يجب أن “يمشي على العجين ما يلخبطوش” إلى أن “تلخبط هو والعجين أيضا”.

على الرغم مما تحمله حركات الرواية الأربع من اختلافات في الموضوع والمنظورإلا أن الكاتب ينجح في القبض على “جنس” الرواية ليقدم عملا جديرا لأن تنصت له في اهتمام وأن تتأمل تسجيله الحي والطازج لتغيرات الواقع متخذا “وجهة نظر” مختلفة لما يحدث من تحولات عشوائية في أغلب الأحيات منذ ما قبل الثورة  إلى عاتصفة عبد الناصر ثم السادات وصولا إلى حرب الخليج، ومظاهرات الطلبة الاحتجاجية الأولى، وبزوغ التيارات الإسلامية العتيقةداخل الجامعة.

“جنس” الرواية موجود في قلب صفحات رواية ياسر عبد اللطيف القصيرة، يكتمل معك في النهاية، فتحب أن تعيد قراءتها من جديد. معرفتي بياسر عبد اللطيف شخصا وصداقتي له هي التي قادتني في سهولة، لأن أرى أن الجديد في روايته ليس الموضوع، ولكن طريقة الرؤية والقص، ونحته الصبور في الصخر حتى تأتي اللغة سهلى وبسيطة ومقروءة ومتفردةة، ليست الوقائع هي المهمة ولا الطقوس الجديدة التي يستعرضها، ولكن المهم هو كيف يحكيها  لك كاشفا عن مشاعر جديدة من الخواء الموجع. اسمعه ينقلك في براعة إلى داخل حال شخصيته الأساسية المندهشة، مفرطة الحساسية، المراقبة للحاضر والماضي في نفس الوقت يقول:

“اكتف بمساعدة الانعكاس الثاني لصورتك، في المرآة، ستتعلم ألا تعشق ذاتك ذاك العشق الأعمى، وتضبطها حين تتجمل، وتخضها لسياطك كي ترفع عنها كل ما ليس لها”.

استطاع أن يحقق نوعا من الإفصاح الحميم، بحيث يتورط قارئه معه في تلك الرؤيا الخاصة للعالم، يقول واصفا ميدان عابدين: “وإذا كان الوقت شتاء، كما الآن، سيبدو المكان كأنه غارق في ضوء قمر دائم، خفوت حدة الشمس، والأفق الأبيض مستمر، والفضاء الشاسع ذو الخضرة، بإمكانك الحصول على ذلك المشهد لو جردت القصر والمكان كله من دلالاته السياسية والاجتماعية، بمعنى آخر لو جردته من تاريخيته، أنا لا أحاول التملص من رومانسيتي، لكنني أحاول تقليصها قدر الإمكان”.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم