لَم أعرِفْها،
خَفيّةٌ كشَبَحٍ يَتربّصُ بي من بعيد.
وُجِدْنا في ذاتِ السَّلَّةِ التي ألقاها طائرُ اللقلقِ تلك الليلة.
أمُّها أخطأت، وأمّي أيضًا.
كانت تَنتظِرُ فتاةً بيضاءَ مثلها،
وكانت تَنتظِرُ صبيًّا أسمرَ مثلي.
أمّي سمراءُ، بِنْتُ فَجرٍ قريب،
وأمُّها بيضاءُ، بِنْتُ شَمسِ الظَّهيرة.
عَرَفَتنا الشوارعُ والأزقّة،
حَرارةُ الإسفلتِ في منتصفِ الصيف،
أعناقُ شقائقِ النُّعمان،
والغُبارُ الكثيفُ على زجاجِ مدرستِنا الابتدائية.
غادرتِ المدينةَ من غربِها بعد أن كَبِرَتْ في الشرق،
وغادرتُ المدينةَ من شرقِها بعد أن كَبِرتُ في الغرب.
أحبَّت، وأنا أيضًا.
ثارتِ الأرضُ على السماءِ،
وانتصبت البلادُ على أقدامِها.
تعلَّقتُ بثَدْيِها الأيمن،
وتعلَّقتْ بثَدْيِها الأيسر.
لَم أعرِفْها،
بالرغمِ من الدمِّ الذي سالَ زكيًّا طاهرًا.
أنا بَكَيْتُه، وهي أيضًا.
لَم تَعرِفْ أنّه دَمي،
وأنا أيضًا لَم أعرِفْ أنّه دَمُها.
بقيتْ شَبَحًا يَتربّصُ بي.. وأنا مُغمِضُ العينين.
في السابعةِ والثلاثين،
فَتَحتُ عيني مصادفةً لألمحَ وجهَها من بعيد،
مُخيفًا وحادًّا كوجهِ الأمِّ حينَ الغَضب،
قاهرًا وساحرًا حينَ يُغرِقُك في عينيها العَسَلِيّتَين.
كأنَّها قصيدةٌ معروفةٌ،
محفوظةٌ عن ظهرِ قلب.
قَتَلني الفضولُ، وخَنَقَتني الغيرةُ،
وأنا أرى مَن عَرَفوها دوني، ومَن قَبَّلوها قبلي.
وكأنَّ الريحَ ألقتْ بها أمامي.
أحببتُ أن أعرِفَها،
كأنَّ خيطًا قَيَّدَنا تلكَ الليلةَ، في تلك السَّلَّة.
حَدَّثتُها كما اللِّقاءُ بعد الفِراق،
كغُصنينِ في يومٍ مُشمِس،
كحديثِ الذاتِ في المرآة.
هي أيضًا.
قُلتُ لها: اليوم،
أنتِ سماءٌ من الأمهات،
لَم أقُلْ إنَّها كَرْمٌ من النساء.
شيءٌ غريبٌ،
يُراوحُ بين الخَلخالِ والكَلِمة،
لا نَغْمًا صريحًا، ولا الآهات.
حاولتُ التَّغزُّلَ بها، لكنّي أعلى،
هي أيضًا.
جرَّبتُ الحربَ مرّةً،
احتضنتْني بصورةٍ قديمةٍ لها كأنَّها تقول:
“هذي يدي في شَعرك،
اذهَبْ لتركضَ خلفَ السَّرابِ وكُراتِ الطفولة.”
ضَحِكتْ عليَّ بشفتَينِ من حَنان،
أُنوثةٌ واعيةٌ ومخالبُ نَسر.
صديقتي،
تقرأُ هذه الكلمات،
تضعُ طِلاءً داكِنًا اللونِ على مخالبِها،
وتبتسم.
 
				 
													 
				
 
		


 
		
