حسين عبد الرحيم
مع السلامة ستبقين خالدة
بروحك قبل فنك
“نادية لطفي” أو “ريري” ليها مكانة غير عادية في حياتي من أول مرة شاهدتها في شارع عدلي سنة 89 ، كانت تسير خلفها بنت فاتنة الجمال فارعة كسنديانة عفية، بتسحب كلب لولو، عرفت بعد ذلك أنها إبنتها. كنا قبل الظهر بساعة في فصل الخريف واستوقفتها بعد أن تعمدت أن أكون في مواجهتها على الرصيف فقالت لي :
ـ صباح الخير
بدون معرفة سابقة، راقبتها حتى عرفت بيتها في شارع عدلي. وف نفس اليوم انتبهت لي! (خدت بالها إني مراقبها) تعقبت خطاها فلم تنزعج بل ضحكت، كنت مبهورا بها ..”عملت ليها باي قبل ماتطلع بيتها”، ترددت على البيت بعد ذلك حتى أكد لي المخرج عاطف سالم أن عنوان سكنها في عدلي قريب من المعبد اليهودي..وأخذت منه رقم تليفونها، وقتها كنت أعمل محررا فنيا وسينمائيا في جريدة “الوفد”، قلت لهم في القسم: لازم أحاورها.
كنت معجباً ب “ريري” ؟!!. ودورها الأثير الفارق في “السمان والخريف” وكنت قد شاهدت لها “النظارة السوداء” . كنت في منتهى فترة مراهقتي والتي استطالت كثيرا بشكل ما، حرصت أن أنظر إلى ربلت ساقيها وهي ترتج بخفة دخل حذاء هافان شمواه بكعب رفيع ، خطفتني بشقارها الطارش بحمرة لاحظت إجهادها، كان هو المشكل لملامحها.
لما قابلتها في بيتها أول مرة كانت ترتدي نظارة شمس فاميه، تشممت رائحة لم ولن تمحى من حواسي ولا أنفي، كان آخر أريج للرائحة التي إلتقطها، مزيجا من بارفيوم فرنسي رومانتيكي عتيق مختلطاً برائحة نبيذ شيفاز.
نزلت وأنا خرسان لـنها لم تكن قد نامت على الإطلاق في ليلتها الفائتة ويجوز ليال أخرى، لم تكن مركزة بما فيه الكفاية، حزنت جدا وتركت قهوتي التي أعدتها بنفسها وتعمدت ألا توقظ الشغالة أو مديرة البيت فقد كانت سهرانة بالأمس بجانب التليفون في إنتظارمهاتفة بتأكيد اوردر تصوير.
نزلت سرحان وتعس ومش عارف ليه ؟!!
يمكن ماكنتش مدرك يومها السبب، لكنني وعندما تكرر اتصالي بها في نفس الليلة و اليوم التالي لأطمئن عليها كانت غير واعية…..وتهذي بكلمات مكرورة ختمتها بعبارة أبكتني. ؟!!
تطوحت رأسي ولفت ودارت على أثرها ؟!! .
_ “يخص علييك يا.وحش” .
وكثيرا ما كنت أصادفها في دخولي وخروجي في جروبي عدلي حتى العام 2003، وحاولت زيارتها من شهور عشر مروا، ولم يحدث والنهاردة وبمحض الصدفة ولقدري الجميل رأيتها عبر شاشة روتانا في فيلم “رجال بلا ملامح” مع موسيقى مونامور، نظرة عينيها تبرق في سحر وصبغة ظلال ولون الكحل والليل البهيم، وخصلات شعرها الذهبي. وقصة الكاريه، لم أعرف لماذا تأثرت واغرورقت عيناي بدمع حبيس ومنعت نفسي من البكاء، احتبست داخلي دمعة حادقة مرة، ودمعات حزن وأسى، مرات، تهاوت رغما عني.
(كتير بتاخدنا الأيام والسنين من نفسنا وبتبعدنا عن أجمل بشر وناس فنانين وفنانات لهن وقع على الروح ومكانة في القلب وفرادة في العقل وركنة في الحواس والبصيرة تحلق دوما بروحها في كل مكان وزمان يحط فيه الرحال، شكلن وجداننا. في أجمل مراحل عمرنا وعمري).
“نادية لطفي” التي رقدت مريضة منذ شهور طويلة مضت، عملت، برقة وفرادة وصمت وحسية ودهشة مفرطة في مسيرة السينما المصرية والعربية ومسار وماهية نجماتها اللائي صنعن مجدا ورحابة وحب وفكر وفن عميق وجمالي مغاير في قلب كل محبي السينما المصرية في العالم العربي بل العالم كله ممن آمنوا بضرورة وحتمية التجسيد الفني والأداء التمثيلي القريب بل المتماس والمتماهي مع الواقع والبشر لدرجة الوله والولع.
نادية التي تأبدت في روحي وذاكرتي وكانت عنوانا ما في الحياة، بمعان ثابتة للخلود، وفي عنوان وعلى غلاف مجموعتي الأخيرة “الخريف الأخير لعيسى الدباغ” مع السلامة نادية لطفي، التي ستبقى بقامتها الرفيعة وروحها الطليقة في الحياة قبل الفن . يا من تستحقين منا كل تقدير وفرح وجل الأمنيات بالرحمة والمغفرة ورحيل الحزن عنا