في مديح سيلفينا أوكامبو

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

خورخي لويس بورخيس

ترجمة: نزار آغري

أكتب هذه المقدمة ليس من دون تردد. صداقة قديمة، ولكن متجددة دوماً، تربطني بسيلفينا أوكامبو.

صداقة نهضت على ذكريات نتقاسمها عن عيشنا المشترك في بوينس أيريس. عن لحظات الغروب. عن المشي في الدروب المفتوحة وعلى ضفاف النهر الذي كان يبدو، في سكونه، وكأنه جزء من الأرض. عن القصائد المفضلة لكلينا. عن الود الذي كانت سيلفيا تكنه لي.

أتت سيلفينا إلى الشعر، مثل روزيتي وبليك، عن طريق الرسم. ولهذا بقيت الصورة المشهدية مهيمنة في كتاباتها.

المدى الذي تحيط به روحها أوسع من ذاك الذي كنت أرنو إليه. كانت الموسيقى التي تبثها الألوان والفراديس مألوفة لديها ولكنها لم تكن كذلك بالنسبة لي. كان فضولي قاصراً عن الوصول إليها. كذلك الأمر في ما يخص الطبيعة. الزهور التي كنتُ أحفظ أسماءها اللاتينية والفارسية كانت، بالنسبة لسيلفانا، أبعد من مجرد أسماء وكلمات. كانت أشياء ملموسة ومحببة.

العالم الذي أعيش فيه عالم داكن وتجريدي أما عالمها فزاخر بما تمنحه الحواس الخمس، بكل التنوع.

منابعنا الشعرية ليست متماثلة، دوماً. أنا تحركني الملحمة أما هي فإن الغناء والرثاء يشجيانها.  لا تؤثر فيها الملاحم الإيسلندية القاسية بل تنقاد إلى بودلير، الشاعر الذي كنتُ أبجله في شبابي.

هي تميل إلى قراءة الروايات السيكولوجية أما أنا فأنفر  من إيقاعها البطيء الكسول.

غريب، بعد كل هذا، أن أقوم أنا، الذي لا تعني له القصة القصيرة سوى محاولة الإمساك بعناصرها الجوهرية الصافية، بكتابة هذه السطور لتعريف القاريء الإنكليزي بعمل معقد ومتبدل وبسيط، في آن معاً، أقصد مجموعة القصص هذه.

في قصص سيلفيا أوكامبو ثمة شيء لم أفهمه قط: الميل إلى قساوة بريئة وغامضة. أنا أعزة ذلك إلى ما يخلفه الشر في الأرواح النبيلة. يمكننا القول، ولو بشكل عابر، أن الحاضر قاس، بمثل ما كان عليه الماضي. إلا أن قساوته مغلفة بطابع سري. غونوغورا، الذي كان شاعراً رقيقاً يسخر من حرق الكتب لأنه، أي الحرق، لم يوفر أكثر من مشهد متواضع. هتلر، الرجل الفظيع، فضل الرعب الذي لا وجه له، في غرف الموت السرية على الإعدامات الجماعية المشهدية.

القساوة، اليوم، تجري في الظل. هي قساوة بذيئة بالمعنى الحرفي للكلمة.

فضيلة سيلفينا، وهي فضيلة غالباً ما تنسب إلى القدماء وشعوب الشرق، ونادراً ما تنسب إلى معاصرينا، هي: الوضوح. وجدتُ ذلك عنجها ليس من جون شعور بالقلق. إنها تنظر إلينا كما لو كنا مصنوعين من زجاج. ترانا وتسامحنا. من غير المجدي، والحال هذا، أن نحاول استغفالها.

سيلفينا أوكامبو هي، قبل كل شيء شاعرة. إحدى أعظم الشاعرات باللغة الإسبانية، على جانبي المحيط. ولأنها شاعرة فإن نثرها يسمو.

في أماكن أخرى من أميركا الجنوبية لا تعدو القصة القصيرة أن تكون مجرد إحاطة بسيطة بالحياة اليومية أو عبارة عن احتجاج إجتماعي وسياسي، وغالباً يكون مزيجاً من الإثنين.

عندنا، في الأرجنتين، تميل القصة القصيرة لأن تكون نتاج المخيلة في أقصى حريتها. لقد قام غروساك وألفونسو رييس بتجديد الأسلوب الإسباني الذي يميل إلى الإنشاء الطنان والفخامة الباذخة، تأثراً بالثراء الفرنسي. سيلفينا أوكامبو استوعبت الدرس. هلقت عالمها الخاص في قصصها الساحرة.

………………………

*سيلفينا أوكامبو: الشاعرة والقاصة الأرجنتينية ولدت عام 1903 في بوينس أيريس. هي واحدة من أهم الكاتبات في أميركا اللاتينية وغالباً ما تقارن بخورخي لويس بورخيس وخوليو كورتاثار، وكانت صديقة لكليهما.

 

مقالات من نفس القسم