“لقد وجدت أنه من الضروري أن آخذ بيد الكتابة لأفلامي بنفسي كما فعل أنجمار بيرجمان، ولا ضير في الإطلاع على نصوص رينوار، فلليني، وتروفو، فهم يصنعون أفلامهم بحرفية عالية، وأن أركز اهتمامي على الصورة دائما، وكنت أشارك زوجتي كتابة سيناريوهات أفلامي لأنني أعتقد أنها أقرب إليّ من غيرها، لكنني سرعان ما تركت هذه المهمة للآخرين بسبب انحيازي دائما لشريحة بسيطة من الناس”، هذه الكتابة بدت في وقت مبكر من خوضه تجربته السينمائية وشكلت فيما بعد الجزء الأكبر من الكتاب الذي صدر تحت عنوان: “هيتشكوك على هيتشكوك” والذي أشرف على مراجعته سيدني غوتليب عام 1995 واحتوى على كتابات مختارة ومقابلات وهي الأكثر حضورا فيه.
المحرر غوتليب واجه في بداية الشروع بوضع هذا الكتاب مشاكل عديدة بسبب أن معظم المقابلات التي أجريت مع هيتشكوك كثيرة لكنها تبقى أقل بكثير من المقالات التي احتاج زمنا طويلا لوضعها في قالبها الصحيح حيث تطلب منه ضبط تواريخها ومناسباتها ، أما بالنسبة لمقابلاته فقد واجه فيها مشكلة القطوعات التي كما لو كانت بفعل هيتشكوك نفسه ، والسبب كما يقول الطعن في سلاسة وكفاءة بعض أفلامه وهذا ما وجده في بعض المقالات التي تناولت تلك الأعمال ، لكن المعنيين في تاريخ حقبة خدمته سواء أكانت في السينما البريطانية أو الأمريكية كانت لهم الكلمة الفصل فيها وأنها في النهاية تبقى وجهات نظر مع أنها ذات طابع مشكوك فيها بحسب رأي غوتليب ، لكن بعضها لم يخلو من عنصر الطرافة والبعض الآخر طرح كتابها أفكارا جميلة تلخص تجاربه الحياتية والفنية ، وقد جادل أستاذ علم الاجتماع والدراسات السينمائية بجامعة مدينة نيويورك روبرت كاسيس ما تحدث به غوتليب عن أن هيتشكوك كان منظرا في أغلب أعماله حيث قال : ” مع أن أعماله قد اتسم بعضها بروح الدعاية إلا انها قد خلت من التنظير الذي قصده المؤلف في كتابه ، هذا الجانب بالذات يجب الحذر منه لأنه ينتقص من ابداعاته ” ، غوتليب رد على كاسيس أن هيتشكوك كان بالفعل منظرا وبشكل ملموس لأنه كانت لديه وجهات نظر قوية حول جميع جوانب صناعة الأفلام بما فيها الوقوف خلف كاميرا التصوير وتحريكها حيث كان العمل أمامها يتطلب منه لغة خاصة ذات تأثير عاطفي حتى يتحقق التجاور الصوري مع البصري وهذه هي السينما أو كما قال عنها هيتشكوك : ” أنا لا أحاول أن أضع على الشاشة ما يسمى ( شرائح من الحياة ) ، لأن الناس بإمكانهم مشاهدة هذه الشرائح على الرصيف عند خروجهم من أمام دور السينما ومجانا ” .
غوتليب يرى كذلك ان هناك رابط قوي بين ما كان يفكر به هيتشكوك على المستوى الفني وما كان يفكر به بيرانديللو الشاعر والباحث والروائي وكاتب القصة القصيرة والمؤلف الإيطالي ، أو يوجين يونسكو ، أو بورخيس على المستوى الأدبي ، ويقارن أعماله كثيرا بنقد إليوت وهو ما تمناه ، ومع أن خلفيته السينمائية كانت متواضعة لكنها حمته من الوقوع في شرك القيم السائدة آنذاك في السينما الإنكليزية التي عمل بها في مقتبل حياته الفنية والتي تخلى عنها نهائيا في أمريكا ، فهو فخور بعدم اللجوء الى ما كان يعرف بالخطط الدقيقة المتبعة قبل الشروع بتصوير الأفلام من تحديد زوايا الكاميرا وحركات وتحركات الممثلين وحتى الدخول في التفاصيل الدقيقة للإنتاج فكان يشعر بالفخر لأنه لم يقرأ في أوراق تلك الخطط عند تصويره لأفلامه بحيث يكون قادرا على تجاهل ما يجب التخلص منه لتقديم عملا حقيقيا وليس مجرد استنساخ لتلك الخطط والرسوم ، كما لاحظ عليه ذلك الممثل المعروف جيمس ماسون الذي قال : ” ان المتعة تكون أكثر واقعية حينما لاتخرج من هذه الصور – ويقصد بها الأوراق التخطيطية بما فيها الرسوم التوضيحية للمشاهد – لمرحلة التخطيط للفيلم المراد تصويره .
في كتابه ” سيرة الفريد هيتشكوك ” يذكر الكاتب الأمريكي دونالد سبوتو وهو كاتب سير للعديد من الشخصيات الفنية كتينيسي وليامز ولورانس أولفييه أن هناك جانب مظلم في شخصية هيتشكوك لا يعرفها أحد تتلخص في مباراته السرية مع وفرة من نجوم هوليوود الذين شاركوه أعماله السينمائية والذين كان يزدريهم مع أنهم كانوا ذا قدرة على القيام بأي شيئ يطلبه منهم ، خاصة منهم الممثلات اللاتي تعرضن منه الى معاملة لاتخرج إلا من رجل سادي ، غوتليب من جانبه رد على تلك الأقاويل في سيرته على لسان هيتشكوك قائلا : ” أنا لا أكره أحدا منهم ولا شيئ يعطيني المزيد من المتعة سوى احساسي باتقان عملهم وإيماني كبير بأن الجمهور سوف يعاني من هذه المشاهد بسبب حرفيتها العالية والتي أشعر أنها ذات قدرة فاعلة على نفوسهم ” .
ونحن نعيد هذه القراءة نذكر جمهور السينما بواحد من رجالاتها العظام الذين تفانوا في تقديم المتعة الحسية والبصرية لأفلام ظلت خالدة حتى الآن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جون سيمون
ملحق التايمز الأدبى – 20 سبتمبر 2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحمد فاضل
مترجم وناقد – العراق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة