يسألني أهالي طنجة القفراء
متى ستخضر أشجار المدينة..
متى سيجري نهر السكينة..؟
لتشرق بالنور أفئدة ثكلى..
تعترشها الصبوات العاثرة..
.
(.. يا ما زهت بانتصارات أوديس..
إذ يسري على مجد الماء !
يا ما حكت عن أيام السعد الغابرة..
إذ يجتاز أقاليم الموج السبعة..
.. الطير حوله،
تُسرح في ظل جنته الخضراء نبعه:
عشاء البراري
خمور السماء!)
.
يسألني أهالي طنجة الفقراء
متى ستدق خيول أوديس العائدة
أبواب المدينة الموصدة
متى ستلغ أفراسه دماء من فجروا
.. من دمروا
شموخ المدينة الزاهرة؟!
.
(وفي خطوط كفي..
قرأت: إن نصف حلم يكفي
ليسربل العيون الدائخة
-من ألم الشوق والعبرات الحائرة-
.. بألق الفجر..
إن نصف حلم يكفي
لكي يؤثث الفضاء
نهار عاشق/أبدي
فواخت هادية/شادية..
تزف مع أسراب النوارس
أناشيد أوديس سيد البحار..
إلى دروب طنجة الكحلاء!)
.
لكن في صمت طنجة الثقيل
تردد عواء بنيلوبي الطويل
(وأطول منه كبرياؤها القتيل)
قالت:
“أوديس سدر في شلالات الغياب..
كلله ثأر الآلهة بشوك التعب..
أوديس مضى إلى طمي البحار
يسف رماد الشجن
يسف الغبار
أوديس جفته المرافئ
رمته إلى دهاليز البوح الصموت!..
(ارقص معي يا شعبي..
اشرب نخبي
علني أنسى سغبي
أنا سيدة الملكوت..)..”
مولاي سمعت ما سمعت
فرأيت سيوف الحزن
تقطع قلوب الرجال والنساء..
مولاي
رأيت قطرات البكاء
ترتل عودتك الموعودة..
رأيتك سيدا يركب صهوة الزلازل
يصارع قهر الزمان
رأيتك تعلن في أوجه الخذلان:
“سفني عائدة
بحارتي الشجعان
سيعيدون غزلان الفرح الشاردة
إلى بيوت طنجة الصماء
إلى بيوت طنجة الباردة! !..”
.
لكن حينما خرجت إلى حواري المدينة الكحلاء
وخضت في حلكة المسافات
أبشِّر بعودتك المرصودة
رأيت طنجة تتشظى كالرجوم
تشرد عذاراها غربان الخطايا
تزنرها أفاعي النوايا
ترتمي في حمأة الغدر..
مولاي.. مولاي..
وهذا أندروميد الفتيْ
كبلته أذرع الخيانة:
أذرع “بنيلوبي” العتية
وها هي تضاجع الأصحاب والأعداء
على السوية..
مولاي
هذا قوسك الطريح
يشكو مثلي النتانة..
يشرق بعهر السكوت!..
.
يسألني البحر الغضبان
عن مولاي
كيف ضيعتْ زوجه الأمانة..
كيف أغلقت دونه الموانئ
وسيجت شطآنهْ
.
يسألني الفجر الولهان
عن سيدي
كيف بعثرته أيدي الغدر
كيف وهو الذي حمل ورد العشق الطاهر
إلى عتبات قلب بنيلوبي
لماذا لم تحضنه كبنفسجة زكية؟!
كيف لم ترسم طيفه
لم ترشف طله
لتؤاسي جروح الشعب؟!
.
مولاي..
ها إني أنفلت بقطع من الليل
متنكرا في مسوح الظلماء
أترك مدينتي الشمطاء،
فعيون الجبناء
تترصد خُطايا
..وأنا لا حول لي ولا سماء
أستمطرها -مثل رعاياك-
ماء البقاء..
ماء البقاء..
ماء البقاء..
……………………………….
طنجة 2/ 11/ 1991