د. رضا صالح
أشعر برغبة فى الذهاب إلى الشاطئ؛ بعد أن صليت الفجر فى منزلى، خرجت، مضت اللحظات مسرعة حتى جاء سامى بسيارته رباعية الدفع؛ ركبت معه وسرنا بحذاء الشاطئ حتى طريق عتاقة والأدبية؛ أخيرا وصلنا إلى قرية تيوليب حيث يوجد الشاليه الخاص به، تمشينا قليلا على الرمال؛ جلست ومددت بصرى تجاه الشرق، عندليب يزقزق فوق شجرة مجاورة، وشيش أمواج البحر يداعب أذني،بشائر شقشقات النهار تبدو فى الأفق.
فرحت بوجودى هنا؛ فرحة باتساع الرؤية، أتطلع إلى البحر والسماء وإلى تلك الحديقة الممتدة أمامى، فى هذه اللحظات مع الشروق، أتابع منظر أمواج يتهادى صوتها هادئا رتيبا، ندف السحاب تترى فى السماء مع شقشقة الصبح وانبلاج الضوء، يالروعة الكون البهيج! أى ضحالة وضآلة نتمحور حولها فى حياتنا القصيرة ؛ نحن نجبر أنفسنا على خوض معارك وهمية تقصف أعمارنا ؟ لم أدر لم حبسنا أنفسنا فى ذلك الوادى الضيق المتاخم للنهر!
***
قال سامى إن البعض يغبطه وآخرون يرثون لحاله لأن مكسبه أقل كثيرا منهم. أيهما علي صواب؟
نظرت إليه ولم أرد.
كان الجو معتدلا، فرحت بمنظر البحر،لا أدري كيف يبعث البهجة في روحي، تمنيت أن أعيش في شاليه مجاور للبحر طوال العام، لم يكن هذا المطلب عمليا، رحت أبحث كل حين عن فرص للاستمتاع بالماء والسماء المفتوحة وهواء البحر المنعش الذي يغسل الروح وينعش الجسد.
بعد لحظات جاء إلينا حارس الشاطئ وقال لنا ممنوع.. تذكرت أن الكورونا ربما تكون عائمة علي سطح الماء! قال لي سامي: أرى أن الهروب من الأمراض ربما يكون هنا علي الشاطئ!
عدنا لنجلس علي باب الشاليه، حكى لي قصة الفتاة البدوية التى صنعت له أحسن فنجان قهوة تذوقه حتى الآن.
يومها لم تحضر السكرتيرة إلى العيادة؛ عندما خرج من المطبخ وقال: عفوا كنت سأجهز لنفسي فنجان قهوة! كانت البدوية جالسة تنتظر وسط آخرين
قالت وهي تنهض
أجهزه لحضرتك؟
أومأ لها شاكرا؛ توجهت إلى المطبخ؛ هل هي نظيفة؟هل هي ناصحة في إعداد القهوة؟ دخل إلى حجرة الكشف وقد سبقه مريض إليها! بعد لحظات خرج المريض ودخلت عليه البدوية بإشراقة لم يعهدها، وضعت فنجان القهوة أمامه علي المكتب، داخله إحساس حلو المذاق..
تفضل
أخذ رشفة من الفنجان
إيه رأيك؟
رائع والله
تبسمت بفرح قائلة
خلاص أشتغل مع معاليك.
ابتسم ونظر إلى قوامها الممشوق وتأمل عينيها عميقتي السواد، وبياضهما الشاهق، تعجب وتساءل:
أنتِ تعيشين في سيناء؟
جيت اليوم من راس سدر
لا تملكين سكنا في السويس
لي أعمامي هنا؛ ولكن نزورهم في المناسبات مع أهلي.
لماذا لا تضعين الكمامة؟
ضحكت قائلة
كل هذا لا يكفي؟
وأشارت بسبابتها إلى وجهها؛كان وجها مبرقعا ماعدا عينيها
قال لها ضاحكا:
أحدهم كتب فى الموبايل (شهر بالبيجامة ولا ساعة بالكمامة)
ضحكت قائلة تعودنا علي هذا؛نحن مكممون منذ الصغر.
تمنى فى أعماقه أن يرتبط بها.سوف يزيح عن وجهها القناع؛ويستمتع بقربها وحديثها الشيق وقهوتها التى لا مثيل لها.
***
حدثته نفسه أن الحياة قصيرة وتحتاج أن نصلح ونعمل كل يوم،ونستثمر فرصنا؛ ذلك أولى فى زمن الشدائد؛حتي نقترب من ذلك الضوء الذي يبدو خافتا من بعيد،تلك الحزمة من النور التي ربما تتلالأ أمام أعيننا و تسعد بها أرواحنا من حين لآخر، تمنحنا السكينة والمودة والدعوة إلى القرب والسلام،لا بد لنا من أن نبحث عنها ونتسابق وراءها حتي نتشبث بأهدابها، وتسمو بنا إلى فضاء التفرد المنشود.
لم يتعود أن يستثمر كل علاقة أو موقف يمر به كما يفعل الكثيرون.
بالعكس؛ تمر به الناس و المواقف والفرص كالسراب أو كما ينفلت الماء من بين الأصابع.
***
بعد أن غادرت تساءل:
هل يكفي فنجان قهوة ودقائق للحكم علي الفتاة؟
***