فقط.. فزاعة حقل  

نهى محمود
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهى محمود

كنت غارقة في النوم عندما امتلأ قلبي بفكرة أني مرتاحة، أشعر بحرية خالصة..

أيقظتني رائحة الحرية وطعم الراحة، شيء يشبه تتبع خيط غير مرئي يقودك نحو مخبز أو مقهى تحبه، تمتزج رائحة الخبز والقهوة لتعجن لي ابتسامة أظن أني استحقها.

الحرية التي انسابت في روحي كموسيقى ناعمة، ذكرتني به، بلقائنا أمس عندما عبرت السيارة طريقا ممتدا، تقع عيني عليه واقفا بزهو وغرابة وسط بقعة خضراء على حافة الطريق السريع.

تجمدت اللحظة، كنت مأخوذة تماما، قفز قلبي من مكانه.. همست باسمه الذي تعرفه ابنتي تقول لي “تعرفي الفزاعة يا ماما!”

تهاجمني دائما بأسئلة من هذه النوعية لتضمن استحواذها عليّ تماما، عندما أكون غارقة في العمل وغائبة عنها أمام كتاب أو شاشة حاسوبي.. تسكنها الفلسفة وتملؤها تساؤلات عن الكون والوجود والبشر والعلوم الإنسانية بكافة فروعها.

في كل مرة أنوي صدها ومقاومة الانسياق وراءها وفي كل مرة أخفق، تلك الصغيرة التي تبدو امتدادا منطقيا لقبيلة من النساء أعرفها جيدا.

تشبهني، تتملص من كل الأمور الجادة، لا تريد من يومها سوى اللعب والحكايات.. ما الذي قد يرغب فيه الإنسان أجمل من ذلك!

ملأتني سعادة غير مبررة، ما الذي يفرحني هكذا لرؤية “خيال مآته” بائس.

أفكر أنها ربما تكون أول مقابلة حقيقية بيننا تمنيت لو تقابلنا وجها لوجه، لو لمست يده المصلوبة أو نظرت في عينه، هل له عيون أصلا؟

ما الذي يراه رجل الخيال هذا من مكانه، ما الرهبة التي تمر بينه وبين الطيور حتى لا تأكل ما يقف هناك لحمايته، كيف هو رجل الخيال الأول!

هل بالغت قليلا في انشغالي به، هل أفضل الآن اسمه الذي تعرفه ابنتي “فزاعة يا ماما”.

أتذكر الآن محبتي القديمة له، عندما شاهدت فيلم “الساحر أوز” وأنا صغيرة كان هناك في رحلة البحث رجل صفيح يبحث عن قلب وأسد يبحث عن شجاعة وبنت تبحث عن طريق ورجل مآته يبحث عن عقل.

هل وجد كل منهم ضالته، هل وجدت الفتاة طريقها؟

في كل قصص الطفولة كنت أفضل أن أتخيل نفسي الفتاة/ البطلة: أليس وفتاة الساحر أوز وغيرهن من أميرات الحكايات، لكني الآن أعرف اني سأختار الأدوار الثانوية، الهامش العظيم الذي تستند عليه الحكايات الكبيرة، التفاصيل التي تحمي العالم من الفراغ والهشاشة.

هذه المرة ساختار أن أكون فزاعة بلا عقل، من القش، أفكر أني لطالما أحببت أزياء خيال المآتة، الملابس المهترئة القديمة، تثيرني الألوان غير المتجانسة.

لم أرتح أبدا لارتداء بيجامة بيت كاملة، أحب أن أبدل القطع مع بعضها لأشعر بالحرية والراحة.

سيناسبني دور الفزاعة هذه المرة، بعدما رأيت العالم عن قرب أكثر، بعدما خفت سذاجتي وبهتت أحلامي العريضة عن الطريق.

يملأ قلبي خذلان ومرار، لأني مشيت طويلا في طرق واكتشفت في النهاية أني لا أصل إلى وجهتي، شعرت بالتشويش.

وفكرت أن الخطأ ربما في يقيني الكبير وحسن ظني بالعلامات، فكرت أني لو توقفت هناك وسط تلك البقعة الخضراء مترنحة مع الهواء، في وضع الصلب مثل خيال المآتة.

لا أفعل شيئا، ربما وقتها قد أصل.

أن يكون الوصول بالتخلي، بالتوقف عن السير، بالتجمد!

أيقظتني رائحة الحرية وطعم الراحة وفكرة أني أحب أن أكون فزاعة حقل في الحكاية القادمة، أقف هناك أتوعد الطيور بالعقاب وألوح للفتيات العابرات بأحلامهم العظيمة محاولة تجاهل ما تسرقه الطيور والأيام.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار