في الفترة بين عامي 1953 و1981 عملت شمبورسكا محررة شعرية وكاتبة مقال في أسبوعية أدبية تصدر في كراكاو باسم زايسي ليتراكي، وبحسب السيرة الذاتية المنشورة لشمبورسكا على موقع جائزة نوبل الإلكتروني فقد صدرت مقالاتها في تلك المجلة الأسبوعية في كتاب صدرت منه أربع طبعات.
حصلت شمبورسكا على جائزة جوته عام 1991 وجائزة هِردر عام 1995، ودكتوراه فخرية في الآداب من جامعة بوتسنان عام 1995، وجائزة الفرع البولندي من نادي القلم عام 1995، وجائزة نوبل في الأدب عام 1996.
القصيدة التي نقدمها لها فيما يلي منشورة في مارس من عام 2007 في مجلة أطلنطيك وقد ترجمت من البولندية إلى الإنجليزية بقلم جوانا ترزيشياك.
***
تمثال إغريقي
بمساعدةٍ من البشر وكوارث أخرى
أحسن الزمان صنعه فيه.
في أول الأمر مضى بأنفه
ثم بأعضائه التناسلية
وواحدا تلو واحد مضى
بأصابع يديه وقدميه
وبمرور السنين
ذراعيه واحدا تلو الآخر
ثم فخذه الأيمن فالأيسر
ثم ظهره ووركيه، فرأسه فردفيه
وما كان يسقط كان الزمان يحيله قِطَعًا
فكِسَرًا،
ففتاتا،
فرملا.
عندما يموت هذه الميتة شخصٌ حيّ
يراق دم كثير مع كل ضربة.
أما التماثيل الرخامية فتهلك دون دم
ولا تهلك دائما دفعة واحدة.
مِن هذا الذي نتكلم عنه
لم يبق سوى الجذع
كأنه نَفَسٌ محبوس
فلا بد أنه الآن
يسحب بداخله
كل ما كان من جمال وثقل
لكل ما فقده.
ويسحب هذا بداخله
ويسحب لا يزال
ويسحبنا ويأتلق
ويأتلق ويبقى
ولا بد هنا من إشارة احترام
إلى الزمن
الزمن الذي توقف في منتصف المهمة
مرجئا البقية
إلى ما بعد.
***
يعرف دارسو الفن أن بيكاسو خطط ذات يوم لتدمير اللوفر، أو لسرقته بهدف تدميره.
ينبغي أن نؤكد أن بيكاسو الذي نتكلم عنه هو بيكاسو، الذي لا نحتاج إلى التعريف به، الرسام الذي غيَّر مسار الرسم في العالم كله مرة وإلى الأبد. وأن نؤكد أيضا أن اللوفر الذي نتكلم عنه هو اللوفر، أهم متحف للفن في العالم، هو ببساطة ذلك المتحف الذي لا تمثل الموناليزا إلا لوحة من لوحاته.
وإذن لا بد من تفسير. لقد كان بيكاسو يريد من تدميره اللوفر أن يفتح الطريق أمام الفن الجديد الذي رأى أن المتاحف هي أكبر سدٍّ يعوق ظهوره، وأكبر خطر يهدد وجوده نفسه. والحقيقة أننا لو تجرَّدنا من خوفنا على هذا التراث الإنساني العظيم، لرأينا أن بيكاسو لم يكن ينطلق من نزق وحسب. إننا إلى اليوم في عالمنا العربي نرى من يقدسون الماضي، فلا شعر إلا الذي كتبه الأقدمون وما عداه هرطقة، ولا قول في الدين بعد ما قال به موتانا قبل قرون. بل إن هناك من يقدسون ما هو أحدث من ذلك بكثير، فلا زعيم إلا الذي رحل، ولا سينما إلا سينما الأبيض والأسود، ولا مسلسلات إلا التي كانت حبيسة الاستوديوهات إذا خرجت إلى الشوارع للحظة تحول ليلها نهارا، أو نهارها ليلا.
نحن محظوظون بالكوارث والزمن وبأنفسنا (وما نحن إلا كارثة من الكوارث في رأي شمبورسكا)، لأن هذا الثلاثي القاهر الذي لا يوقفه شيء لا يكف عن تخليصنا من ماضينا. نحن بشكل ما ـ واقبلوا هذا النزق ولو بصفة مؤقتة ـ محظوظون بأن الطالبان هدموا تماثيل بوذا. طبعا هي خسارة لا تعوَّض، مثلما لا يمكن ليوم مرَّ أن يعوض، ولكن ما لنا نريد الماضي كأنما ليعفينا من الإضافة إلى الحاضر؟ ما لنا لا ننحت تماثيل جديدة، نضع فيها كل خيالنا، وكل همنا، وكل تصورنا عن الجمال، ما لنا لا نضع أرواحنا كاملة في تماثيل؟ ما لنا لا نريد أن نورث أبنائنا فرصة أن يقطّعوا أوصالنا ونحن موتى خاصة وأننا ننكر هذه الفرصة عليهم ونحن أحياء؟