في اليوم الثاني، لفظت الفراشة الشعراء و من ظلام الجسد تموجت الكلمات كريش ماء ثم تموج البحر. خرج شجر السرو و من شجر السرو خفق طائر مؤرق غريب و حلق من دون أجنحة على علو سبعة أقدام. انتفخت البذرة في جوف الأرض ثم انفلقت…
تحولت الريح الماكرة إلى أصابع . و من صلب ماء زلال نبتت الأظافر. و من خصلة العشب تشكل حبل السرة و من الرمل تشكلت الأعناق حتى يستدير الرأس. زمجرت الأرض و اصطكت الجبال حين اشتعل الثلج من دون لهب و بلا دخان كأنها نار عظيمة أمام المرآة. خشخش العشب فانفجرت بحيرات خضراء من كل فج. فظهرت فوق سطح الماء حوريات عرايا بشعرهن الأخضر الغزير و الطويل حتى أقدامهن. كانت الريح تلعب في خصلاتهن حتى انسل غزال أبيض في براري الكلام من يومها و الشعراء يهيمون في العراء
… نجروا الناي حفروا فيه ثقبا بحجم سواد العيون و نفخوا فيه الريح ..
اختطفواأفكار العشب. بصقوا على النار و انصرفوا فتبعتهم التلال.
في صباح اليوم الموالي، رفرفت الفراشة على غير عادتها بين لهيب النار.
تناثرت في أطراف الليل ثم تلملمت في رمشة عين. حدقت طويلا في ملاك. مشت على جرح الغدير و هي تبتسم بشهوة. تشكل الظل و امتلأت الكائنات فانحنت من فرط الدهشة.
استولت طيور الطوقان على مهارة التحليق و سكنت التلال البعيدة. و استولى الهدهد على ماء الحيرة ليثبت كم هو جدير بالأرق و استولى الحصان البري على ضفيرة الريح لذا تجدين قوائمه رشيقة تصلح للجري والقفز. و استولى الحلزون على الحكمة . فهو حيوان لا فقري شديد الليونة لذلك فهو يزحف بثقة جامحة على جسد الارض. واستولت الديدان على لذة الحياة لذا تجدينها فاشلة في الحب العذري . ضائعة . تجوب تفاحتها النهمة بلاعيون و بصدر ناعم. انها تحب بحق. و استولت الغزالة على الدهشة فراحت ترخي ضرعها للنهر و تغري جسدها بالانقلاب .أما العصافير الصغيرة، فقد استولت على الفرح العلني. فراحت تفرح بجسدها النحيف المغطى بالريش في فضيحة النهار فوق اشجار الحديقة.
في اليوم السادس،
أغرت الفراشة الشعراء بثمار حديقتها و بألوانها الذائبة . فرسمت بألوان الدهشة صورةالمرأة و لونتها بإكسير الحياة ثم رسمت برذاذ الحلم النهدان فالحلمتان و جعلتهما يسبقان الجسد كي يشدانه حين يركب صهوة الشهوة. و رسمت التفاحة و منحتها أكثر من ظلها. و رسمت الريشة و شكل القلب والزوال
راحت تمازح بشهوة جرح الغدير فزينت سيقان الرمل و طارت…
في اليوم السابع
تدلى الهلال و حط وحيدا مثل جندي خذلته ساقاه فوق الأرض الباردة. فسالت نجمة من جرح سحابة بيضاء في الأفق . لمحها الشعراء فانشطر حلمهم الى نصفين.
قال بعضهم ( ربما هم من خصوم نظرية الحلول)انه انقلاب الجسد على الروح خططت له الفراشة الهاربة بوحي من التراب.
وقال آخرون:
انه تجسيد لفكرة التناسخ فلنتناسخ.
و ليكن منا الفلاح، و صانع التوابيت، و الحطاب، والساحر، و الرسام.
و ليكن منا غسال الموتى، وصاحب الريشة، وصاحب الفانوس وصاحب البندقية.
و ليكن منا الأعداء و لنخرج إلى الغابة.
وشبه الآخرون الحادثة ( ربما من فرط الشراب) بدمعة مداد و حلول فصل الكتابة على اللوح أو موسم المشي. فهرول البعض إلى ريشتهم و فضل آخرون المشي. فمشوا فتبعهم كلبهم بخطوات
أنيقة.
(و العهدة على الكأس بالطبع)
وحين كان الشعراء يهيمون في الفلوات و ينفخون بتفان في ناي الريح، كانت فراشة الشعر تمتطي بهائها و تتعالى. تلقي بضوئها في عتمة الأرض و تعبر الغمام تقتحم حديقة على حافة الكون دونما اكتراث إلى لسعات الشمس الحمراء…
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر مغربي
خاص الكتابة