فاصل للدهشة.. الممر السري بين القبح والجمال

وحيد الطويلة .. بطل كل البنات
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

نهى محمود

صدرت منذ أيام " الطبعة الثالثة " من رواية الصديق محمد الفخراني " فاصل للدهشة"

ابتسم الآن وأنا اتذكر أني أخبرت محمد وقتها  ان الرواية أعجبتني جدا واني سأكتب عنها مقالا .قلت له ذلك منذ أكثر من عامين .

لم اكتب عنها شيئا إلا الآن مع صدور الطبعه الثالثة  ربما لأني وقتها  لم أكن أملك أدوات تؤهلني للكتابة عن عمل بكل هذا الصخب والجدل والقسوة ، لم اكتب ربما لأنها مست تلك المساحة المختبئة داخلي … مساحة الصمت من فرط التأثر والإرتباك.

عالم فاصل للدهشة ذلك الذي يحيرك قدر ما تسع طاقتك للحيرة

يبكيك ويحزنك ويجعلك تتمسح في جدران بيتك وتسجد لله شكرا أن لديك بيت يأويك – بيت- تستعمل فيه حمام يخصك وتنام مع زوجتك دون ان يراك أي عابر سبيل سينظر من بين صفيح عشتك المهترأه / بيت بمفهوم الوطن الذي تكشف الرواية جانبا منه من فرط خجلنا من وجوده  نتجاهله .

رواية فاصل للدهشة  تملئك بطاقات حب وخير قادمة من شخصيات تشبه النمل وحبات الرمل الناعمة ورذاذ الماء في نوّة شتاء

هل نلحظ النمل والرمل والرذاذ – هل هناك من يلحظ بائعة الشاي ورجل الروبابيكيا وراقصات مراكب النيل والرجال المنسحقين تحت وطأة العوز والحشيش والجنس .

هل يرى الجانب الجليدي  من العالم جانب الأغنياء – الكسولين حتى عن الأحلام  من فرط وجود كل شئ –  ذلك الجانب الآخر الغارق في سخونه الحر واحتكاك الأجساد في الزحام والعرق والفقر وقلة الحيلة والأحلام المتكسرة من فرط بساطتها وهشاشة مضمونها .

اظن أن كتابة الفخراني في هذه الرواية كان اشبه بكتابة سرية لم يكتبها اصحابها ابدا في اي عصر

إما لأنهم لا يعرفون الكتابة أو لأنهم لا يملكون ثمن الحبر والورق

أو لأن اصحاب الأهرامات واوراق البردي لن يسمحوا لهم بتدوين الحقيقة

الحقيقة التي لن تصل أبدا

الكتابة السرية في فاصل للدهشة حملت أسرار القبح الشديد الذي يبدو كشفرات تدلنا على الجمال … كيف يحكي العبيد عن الذل في تاريخ يمليه السادة

كيف تكتب شخصيات الفخراني تاريخ المفعول بهم في زمن يملكه الفاعل

ابتسم الآن وأنا اتذكر كل ما قيل عن البذاءة الشديدة في الرواية ، ابتسم حتى من صدماتي الكثيرة في لقطات أقل ما يقال عنها أنها لا تكتب

لا يمكن حتى أن يقولها احدنا بينه وبين نفسه

الجرأة التي تملكت ذلك الشاب الذي أعرفه جيدا كصديق

أعرف عذوبة روحه ورقة تعامله مع العالم وتماهيه مع البساطة والجمال المغسول بالماء والصابون …. الطمي الخصب الهادئ الذي يخفي تحت السطح القريب البركان الخامد من التساؤلات والأرق والإنشغال بأصوات لا يسمعها غير قديسيين الكلمات .

أتساءل الآن هل أرى العالم كما يستحق! هل أعرف ان افك شفرات عالم فاصل للدهشة … هل أجد الممر السري لأعبر بالقبح نحو الجمال الذي يقصده هذا الكاتب الموهوب الممتلك لأدواته كالبحار الأسطوري في حكاية هيمنجواي

الحوت الأبيض الذي يطارده الفخراني ، والفيل الأبيض الذي ينتظره الحالمين في تراث الشعوب

والتاريخ الذي ينتظر نصر الانسان المهان الذي ينتصر له الفخراني بجداره وجمال  في كتابته .

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم