ميرال الطحاوي
علاقاتي بزملائي كتّاب أخبار الأدب كانت دائما مربكة وملبدة بالغيوم.
فقد ظللت لعدة سنوات أخاف الاقتراب من المبنى الذي يسكنونه، وأخاف أن أكون أكثر لطفا أو أقل دبلوماسية فيُترجم سلوكي ترجمة برجماتية، وربما زادت المسافة بعد أن تعارضت دور النشر التي ننتمي إليها في الكتابة. كنت ساعتها أنتمي لدار شرقيات وينتمي معظمهم لدار ميريت، وربما لأسباب أخرى كانت علاقتي بمجمل الأصدقاء من جيلي علاقة افتراضية تؤسسها القراءة عن بعد والاقتراب الحذر، فلم أكن جزءا من شلة ولا مجموعة وإن تمنيت ذلك. كان يوسف أبورية صديق الكتابة الوحيد.
كنا نتبادل الكتب ونبوح لبعضنا البعض بآرائنا السرية فيما يُنشر. في ذلك العام كان يوسف قد انتهى من رواية جديدة اسماها “عاشق الحي” وكان يحاول نشر فصل منها في أخبار الأدب، وفي تلك الأثناء صدرت رواية صديقي حسن عبدالموجود “عين القط” من دار ميريت، وهي الرواية التي سرقتني ببساطتها وعمقها وقدرتها علي التنقل بلطف في طفولة الراوي ومعه قطط الذاكرة الأليفة..
الرواية كانت اكتشافا لوجه لطيف طالما قابلته ولم أكن أعرفه في حقيقته.
في أحد لقاءاتي بصديقي يوسف قلت له إن حسن عبد الموجود أصدر رواية جميلة..
خطفها يوسف من يدي ليقرأها، وفوجئت به يتصل بي صباحا ويقول: “الرواية دي بها ملامح من روايتى” ، ضحكت وأنا أحاول أن أفسر ذلك بأن صديقي يوسف ربما يغير من الكتابة الحلوة أو الجديدة، وقلت له: “والله يا يوسف ليس بها على الإطلاق أي ملامح مما تقول، ثم إن روايتك لم تصدر بعد”، فقال بغضب: “ازاي؟ أنا بعت فصل منها لأخبار الأدب، وكمان روايته فيها قط زي روايتي”. ولم أتمالك نفسي من الضحك، ولم أتجرأ أن أقول له إن القطط تراث إنساني روائي موجود في الأدب والتراث والتاريخ والحواديت، وفوجئت به يقول: “انتي نقلتي لحسن عبد الموجود فكرة روايتى” ، ثم أغلق الخط وخاصمني بعدها لعدة أشهر..
ظلت تلك الواقعة في ذاكرتي لوقت طويل تختصر علاقتي بصديق افتراضي.
حسن الذي لم أكن أميز ملامحه بعد، ولم أتبادل معه عدة كلمات، ظل في ذاكرتي طفل تلك الرواية: ذكي ولطيف وبسيط وصديق وموهوب وفي جعبته الكثير من حكايا الجنوب يرويها بنفس خالص في فرادته، لا يتشابه مع غيره ممن سبقوه في الكتابة عن عوالم لم تُكتب بعد بتلك الطريقة.
موهبة حسن الصحفية لا تحتاج لتعليق، ويكفي ان تقرأ بورتريهاته لتكتشف حساسيته العميقة في اقتناص روح البشر، وكيف يرسم قلمه عميقاً، بسخرية ومحبة، أصدقاءه أو شخصياته.
أفتح روايته الجديدة “ناصية باتا” وأجد عالماً جديداً لا يمكن اختصاره في تحية عابرة، عالما يؤكد فقط ما أحسست به بعمق، نحن لا نعرف البشر إلا حينما نقرأ لهم.. ولا نكتشف أصدقاءنا إلا حينما نحتكم للكتابة.