عن رواية “تريند”.. عالم افتراضي ولغة جديدة

تريند
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. خالد عزب

فضاء الانترنت فضاء غير المجتمعات بصورة غير مسبوقة وصاحبه إقامة أوهام حول شخصيات وشركات أخذت عبره حجما غير حجمها الحقيقي.
الروائي محمد عبد العاطي في روايته ( تريند ) التي صدرت مؤخرا عن دار الوابل الصيب في القاهرة تروي العديد من الوقائع حول الوهم الذي يجري تسويقه عبر شبكة الانترنت وكيف يجري ذلك إلي درجة تحس معاها أنك تعيش هذه الأوهام في حياتك الشخصية عبر أحداثها ، تدور الأحداث في قالب تشويقي داخل كواليس شبكات التواصل الاجتماعي، ونعيش فيها وسط عالم فرق التسويق الإلكتروني الخفية والحسابات المزيفة، التي تسعى طوال الوقت إلى توجيه الرأي العام وصناعة التريند أو ركوبه أو توجيهه لمصلحتها، ولمصلحة من يمولها.
تبدأ الأحداث باختفاء فتاة مشهورة (إنفلوينسر) بطريقه مفاجئة، ليتم التحقيق مع كل الشخصيات التي كانت تتواصل معها، ومنهم عماد بطل القصة الشاب البسيط الذي جاء من إحدى القرى بريف مصر إلى القاهرة بحثا عن تحقيق أحلامه وإثبات ذاته وسط صراعات وتحديات المدينة.. فيعمل بقسم التسويق الإلكتروني بشركة عقارات ليتميز بها ويصبح مديرا للقسم ويبدأ في التقرب من كمال العسال صاحب الشركة وأحد رجال الأعمال الذي يمارس أعماله بمساعدة أخيه النائب حامد العسال وشريكه في الكثير من الأعمال.
يزداد التقارب بين عماد وكمال العسال حتى يصبح ذراعه اليمنى ويعتاد اللجوء له في كل صغيرة وكبيرة إلى أن يظهر تامر صديق عماد وابن قريته والمقيم معه في نفس السكن. وبعد تعرضه لمشكلة في عمله يضطر لأن يترك العمل على خلفيتها ليبدأ في البحث عن عمل جديد ، حيث قام عماد بالتوسط له من أجل العمل معه في شركة كمال العسال ، ولكن عماد لم يكن يعلم أن تامر يحمل له الضغائن والغل ويبدأ في تصيد الأخطاء لعماد حتى يفقد عماد بريقه ويحتل هو موقعه ثم وظيفته نفسها، ويخرج عماد من الشركة ليصبح عاطلا وتغلق في وجهه الأبواب ويعود مرة أخرى إلى قريته.
وهناك تحاول الأم أن تهون عليه ما حدث وترشده في أن يبدأ من جديد بالإمكانيات البسيطة المتاحة له، وبالفعل يبحث عن صديق طفولته عصمت والذي أصبح يمتلك سايبر نت بسيط، ليكون هذا المكان هو نقطة انطلاق ل
ومن هناك يلملم أوراقه ويؤسس شبكة تسويقية مؤثرة على السوشيال ميديا، ومنها يستطيع أن يبدأ من جديد ولكن هذه المرة مع حامد العسال النائب المرموق والأخ الأكبر لكمال العسال.. ويدخل عماد من وسط صراعات الأخوين إلى أن تقوده براعته في مجاله إلى رجب مدكور الرجل صاحب السلطة والنفوذ الكبير والذي يعمل حامد العسال نفسه تحت مظلته، لتكون بداية مرحلة جديدة من حياة عماد..
ينتقل عماد من مرحلة إلى أخرى.. يشكل فرقا وكتائب تسويقية تعتمد على الحسابات المزيفة المتقنة تصنع التريند وتوجهه باستخدام تقنيات مدروسة، وفي ظهره دائما سارة ربيع، التي تعطي شبكاته وحساباته الجديدة دائما دفعة قوية، مستغلة جماهيريتها الكبيرة كمؤثرة “أنفلوينسر” على الفيسبوك.
لكن الأحداث تتسارع والمفاجآت تتوالى، ويجد عماد نفسه وقد تورط مع آلة أكبر منه بكثير، ولم يعد التراجع ممكنا، أو على الأقل لم يعد بلا ثمن.
عماد وهو الشخصية المحورية هنا كان مجرد شاب طموح ليس لديه ما يخسره، يعبث ويجرب ويتلاعب على الإنترنت في غرفته.. وحين وجد أن ألعابه هذه صارت ذات أهمية وصار لها ثمن أصبح هذا مجاله الذي حقق فيه ذاته. لم يفكر في الجانب الآخر من هذا العبث.. لم يجد غضاضة في التجسس على الآخرين وفي اختراق خصوصيتهم، لكن حين ارتدت السهام نحوه ونحو من يحبهم أدرك خطورة ما يفعله، ولكن بعد أن تعقدت الأمور، وصارت المواجهة عسيرة غالية الثمن.
الرواية توظّف تقنية غير شائعة في السرد الروائي وهي محادثات الدردشة الخاصة، والتي صارت جزءا فعليا من حياتنا اليومية، ومن اللافت هنا أن هذه أول رواية عربية تستخدم الرموز التعبيرية (الإيموجيز) كجزء من مفردات الحوار في هذه المحادثات. ولعل هذه نقطة تحسب للرواية، إذ تواكب التطور اللغوي العالمي الذي باتت الرموز التعبيرية فيه شكلاً ثرياً للتواصل، وبشكل يتجاوز الحدود اللغوية. ولعلنا نذكر قرار معاجم أكسفورد في عام ٢٠١٥، حين اختارت كلمة العام رمز “إيموجي” الذي يصور “وجها مع دموع الفرح” ليكون كلمته لذلك العام. ووقتها قال رئيس قواميس أكسفورد، كاسبر غراثوول، إنه “ليس من المستغرب أن تتصاعد الكتابة التصويرية، مثل الرموز التعبيرية لسدّ ثغرة فــي اللغة، إذ لم تعد تستطيع الحروف الأبجدية التعبير عن جميع ما يدور في خلد الناس في القرن الواحد والعشرين. فالرموز تتسم بالمرونة، والفورية، وتخلّف انطباعاً جميلاً.
ويمتد التجديد في الرواية لما بعد نهايتها، فتتجاوز حدود الحائط الرابع وتخرج الأحداث إلى العالم الحقيقي وإلى الفضاء الرقمي الافتراضي لتكتمل الأحداث بمشهد ما بعد النهاية، في لقطة فريدة غير مسبوقة في أدبنا. تنتهي الرواية بالبطل يتحدث إلى الناس في فيديو علني، ويحيلهم إلى موقعه الإلكتروني، وتنتهي الرواية الورقية هنا، لنكتشف أن هناك المزيد هناك، على الموقع الذي تكتمل به الرواية، ولا غنى عنه لفهم النهاية. الرواية بقدر ما عكست الفضاء الرقمي إلا أنها صرخة تحذير وتنبيه للجرائم التي ترتكب عبر هذا الفضاء .

مقالات من نفس القسم