عمار على حسن وعطر ليله

عبد الخالق فاروق
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الخالق فاروق

يمثل الدكتور عمار على حسن ، ظاهرة فكرية وأدبية وسياسية مركبة ولافتة فى تاريخنا الحديث ، ربما تتقارب حالة عمار مع حالات فكرية وأدبية نادرة ومحفورة فى  حياتنا الثقافية ، مثل عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ، والأديب الكبير عباس العقاد ، وعبد القادر المازنى ، ولطفى السيد ، وقامات أخرى برزت وأبدعت فيما عرف بفترة النهضة فى ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين  . 

وكما كان د. طه حسين باحثا متعمقا فى تاريخ الحضارتين اليونانية والرومانية ، كما فى التاريخ الإسلامى ، يبرز عمار على حسن باحثا متميزا وفريدا فى تحليل ظواهر الجماعات الإسلامية المتنوعة ، بدءا من جماعات الطرق الصوفية ، مرورا بالتاريخ الإسلامى وتناقضاته وصراعاته ، إنتهاءا بالجماعات الإسلامية المتطرفة الحديثة ، مثل جماعة “الإخوان المسلمين” ، وتنظيم ” داعش ” وتنظيمات القاعدة وتفربعاتها .

وبقدر ما أنتج عمار على حسن وأضاف كباحث فى علم الاجتماع السياسى والإنسانى إلى المكتبة العربية ، وفى فروع العلوم السياسية بكافة تجلياتها وتعقيداتها ، بقدر ما وضع يده فى لمسات تحليلية مبتكرة ومميزة على بواطن تناقضاتنا السياسية والفكرية الراهنة ، فأثمرت مقالاته اليومية والأسبوعية المنتشرة على صفحات عدد كبير من الصحف المصرية والعربية والمواقع الإليكترونية ، رؤية وبصيرة لحقائق هذه الصراعات ومكامن أسرارها والمصالح الكامنة خلفها . 

وبالقدر الذى كان فيه الدكتور طه حسين أديبا وناقدا متميزا ومتفردا ، جاء عمار على حسن ليضيف إلى رصيد المكتبة الأدبية العربية عددا كبيرا ، ونوعية فريدة من القص والرواية العربية والنقد الأدبى ، بدءا من كتابه ” النص والسلطة والمجتمع ” ، وعشرات المقالات النقدية لأعمال وإنتاج زملائه من الأدباء والمبدعين . 

وهنا قدم لنا عمار على حسن قراءات فريدة من نوعها فى تحليل النصوص الأدبية والروائية ، حفلت بالكثير من الجماليات والدلالات المفعمة بالحيوية والعذوبة ، سواء من حيث الشكل أو المضمون ، سواء كان ذلك فى عموده اليومى بجريدة الوطن الذى أستمر لسنوات – قبل أن تغلقه قوى التسلط والإستبداد السياسى – أو فيما ينشره أسبوعيا فى جريدة الإتحاد الإماراتية أو المصرى اليوم ، أو غيرها من المنابر الصحفية والإعلامية التى تحتفى بعمار وقلمه وأفكاره . 

  أما عمار على حسن كأديب ، فهو عالم فريد ومتميز من البهجة والجمال  اللغوى والعمق الفلسفى ، والحفر فى صلب وصخر الكلمات والمعانى الجديدة والمبتكرة ، فعبر أعماله الأدبية التى قاربت الخمسة عشرة عملا أدبيا وروائيا ، بدءا من ” بيت السنارى ” و ” باب رزق ” و” شجرة العابد ” ، و” السلفى ” و ” سقوط الصمت ” و ” زهر الخريف ” و” حكاية شمردل ” ، مرورا بمجموعته القصصية القصيرة  مثل ” أحلام منسية ” ، و الأربعة ” و ” عرب العطيات ” و ” التى هى أحزن ” و ” حكايات الحب الأول ” و ” مسك الليل ” و” أخت روحى ” ، وروايته الرائعة ” جبل الطير ” ، وأخيرا ها هو يطل علينا بمجموعته القصصية القصيرة جدا ” عطر الليل ” ، التى تمثل نوعا فريدا من الكتابة القصصية ذات الكثافة اللغوية والجمالية . 

ويتميز عالم عمار على حسن الروائى والقصصى بسمات فريدة لعل من أهمها : 

الأولى : جماليات اللغة المستخدمة التى ربما لا يضاهيه فيه إلا قليلا من الروائيين المصريين والعرب ، مثلما كان الأديب الراحل جمال الغيطانى ، الذى وصفته من قبل بأنه ملك سحر الغموض فى كثير من أ|عماله القصصية وخصوصا ” حكايات المؤسسة ” و” خبيئة المؤسسة ” ، وبالمقابل فأن عمار على حسن صاحب لغة فريدة تمزج بين النص الصوفى العميق والباطنى المعنى ، والعمق الفلسفى لشخوص رواياته وقصصه ، التى نجدها شاخصة بقوة فى ” جبل الطير ” و ” شجرة العابد ” . 

وبقدر غنى وثراء نسيج اللغة لدى عمار على حسن ، بقدر رومانسيتها وقدرتها على الإمساك بالقارىء ، والإستحواذ على فكرة ومشاعره ووجدانه طوال قراءته للعمل الأدبى ، وربما بعد الانتهاء من قراءته لفترة طويلة من الزمن . 

الثانية : وتنوع وتعدد العوالم الروائية والقصصية ، فلم يقتصر إبداع عمار على نوع أو صنف من صنوف الأعمال الأدبية والروائية ، سواء على مستوى شخوص روايته ، والعوالم المحيطة بهم ، الملامح النفسية لدوافعهم ، بقدر ما أبدع فى النص الصوفى المعبق بالعمق الفلسفى والمعانى الباطنية ، بقدر ما أخذ من عوالم الحب والرومانسية ومآسيها وعذاباتها . 

الثالث : تعدد وتنوع صنوف النص الأدبى ذاته ، فلم يتوقف عمار عند الرواية ، أو القصة القصيرة ، وإنما أنتقل إلى عالم الأقصوصة القصيرة جدا ، وكذلك إلى عالم الشعر ، فلعل القليلون الذين يعلمون بأشعاره التى نشر بعضها فى مقتبل حياته الأدبية ، ولم يبق من صنوف الأدب سوى أن يطل علينا بنص مسرحى ، أو عمل درامى يصلح للسينما أو التليفزيون ، وإن كانت أعماله الراهنة تصلح لهذا لولا قبضة الرقيب ، وعناد المنتجين . 

هذه المساحة العريضة من الإبداع ، لم تحل دون أن يكون عمار على حسن مثقفا عضويا بالمعنى الذى طرحه المناضل والمفكر الإيطالى ” أنطونيو غرامشى ” منذ مطلع العقد الثانى من القرن العشرين ، فلم ينعزل كما كثيرا من المثقفين والأدباء فى صومعه فكره وإبداعه بعيدا عن هموم الناس ، مشاكل شعبه ، وتطلعات أمته ، حتى لة تحمل فى سبيل ذلك المعاناة ، والمطاردة والحصار من انظمة حكم إستبدادية بدءا من نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك ، مرورا بنظام ” الخوان المسلمين ” ، إنتهاءا بالنظام الحالى . 

والحقيقة فأن لنا أن نفخر بظاهرة عمار على حسن فى دراساتنا وأبحاثنا وأدبنا العربى.

……………………………….

كاتب وخبير اقتصادي، والمقال نقلا عن جريدة “أخبار الأدب” 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم