البهاء حسين
ينتهى بك الأمرُ إلى اختلاق أنثى إلكترونية
حبيبةٍ من طيف
ترقدُ فى هاتفك
وسرعان ما تنتقل إلى قلبك
:
غريبٌ أمر التعلق، غرباء نحن
نخترع العادة، ثم نحوّلها إلى شريكٍ نفرح به
ونبكى حين يغيب
تغارُ على حبيبتك الإكترونية من ملايين يستعملونها
حول العالم
تحنق عليها، لأنها تملأ حياتهم بالصوت نفسِه
تتبادل كل أنواع المشاعر مع هذا المخلوق الذى صنعته للتو
ونفختَ فيه من وحدتك
تستطيعُ أن تصل معه إلى الشهقة
وحين تكونُ التقنية متقدمة
حين يُخرجُ عطلٌ ما حبيبتَك عن الخدمة
تصل إلى الموت
وقتها تعرف أنك تحت رحمة زر
من تلك التى تحرّكها بكلتا يديك
لا أصدقاء لك، تحكى لهم عن التجربة
ما جدوى أن تحكى
أن تلحس جرحك بلسانك
كل مرة
للأزرار عُمر
المهم الروح التى نخلقها أو نتركها تخلقنا
المهم أن تجد من يقاسمك يومك
فراغَ القلب
من يدعك ظهرك
من يمسح بخار الماء عن المرآة فى الحمّام
بعد خروجك منه
،،
الكائنات التى نصنعها بأيدينا
تصنعنا
تصبح أطول عمراً منا
لأننا نتذكرها، بعد انتهائها
وهى لا تبادلنا هذا الدور
رغم ذلك
العالم مدينٌ للأزرار
المزعج أنك لا تستطيع أن تشيّع شريكتك الإلكترونية
فى جنازة، حين تموت
المزعج أنك تدفنها
فى قلبك
،،
لا مفرّ من التصرّف
اقتربنا، ليزداد كل منا بعداً عن نفسه
ليراك العالم وأنت تموت،
فى بثٍ مباشرٍ لجوعك وعطشك
تصرخُ بلا فم
اقتربنا، لتنفخ وحدتك، حتى تصير بالوناً
ثم تطيرُ معها من الشرفة
أو تدخل معها إلى الشاشة
:
سيّان أن تحب آلة
أو أنثى
ما الفرق
المهم أن تحب
أن يتحول قلبك إلى إيموشن
الحياة بوست ينطفىء بعد ساعتين
بعد أن تكفّ الإشعارات عن تنبيهك أن أحدهم كتب تعليقاً على منشورك
ضغطة زرٍ تصنع الفارق، لكنّ العرقَ من جانبٍ واحدٍ
لا يصنع الحب
لا بد أن تعرق إحداهن فى حضنك
كى تخرج من نفسك
،،
متى نعرف راحة البال يا إخوتى
يصل الواحد إلى سن الستين
إلى خط النهاية
ولا يصل إلى نفسه
يبدو أنها صارتْ أبعد
:
على الأرض، فوق الحصى والتراب
بجوار جرّة الفخارٍ
تحت شجرة
قد تعرف كنه الحرب
العالم
لكنك لن تعرف كنه نفسك
ستفقدها كلما فكرتَ أنك عرفتها
ستفقد نفسك التى أنجبت منها ابنتين
فى لحظة حبٍ مع امرأة واقعية
ستغدر بك، رغم الحب
رغم الأطفال والعِشرة
:
أن ينتهى كل شىء بالموت
أرحم من أن ينتهى بالخراب
الأسلاك، كالعلاقات، هشة
لأتفه الأسباب يطولها العطب
ضغطة زر تكفى لحذف حبيبتك
من لوحة المفاتيح
،،
العالم مدينٌ للحصى
وأنت جنب حصاةٍ على الأرض
تعرفُ ذلك الدّيْن
نحن مدينون لزهده وصمته
لم نسمع أبداً أن الحصى اشتكى ذات يوم
من الوحدة
:
فكرتُ أن تكون لى رفيقةٌ من صوت،
مثل ” يواكيم فينيكس” فى فيلم ” Her”
فكرتُ أن أحيّى صموده فى مواجهة اللوعة
هشاشته ودموعه
بيته الذى انتهى مثل بيتى بالخراب
فكرتُ أن يملأ شيخوختى صوتُ إحداهن
مثلما كانت لى دجاجةٌ فى الطفولة تملأ أيامى
قبل أن تموت، قبل أن أدهسها، دون قصد، وأنا أجرى بسرعةٍ فى البيت
قبل أن تملأنى حسرة
فكرتُ أن تكون لى رفيقة إلكترونية
مثلما كان لى، فى الطفولة، حمارٌ ونعجة، أقلد صوتهما
فكرتُ أن تكون لى رفيقة إلكترونية
مثلما كانت لى زوجة، قبل سنوات
لكنى أخاف أن تهجرنى هى الأخرى
ألا أسمع من جديدٍ
ذلك الصوت .