حوار وكتابة : محمد خالد
أستطيع أن أتذكر بشكل واضح الأيام الغائمة التي عشتها في المنصورة، شهر أكتوبر عام 2010، كنت وقتها أدرس الهندسة، وكنت جديدًا ووحيدًا في المدينة، يوم قالت لي إحدى الصديقات أن علاء خالد سوف يقيم ندوة عن عدد أمكنة الأخير وقتها “العدد العاشر” في إحدى المكتبات، لتطيب أمر هذه الوحدة. لم أكن قد رأيت علاء خالد من قبل، ولم أقرأ له سوى عدد قليل من المقالات. والحقيقة انني لم أكن أتصور أنني سوف أغرق في محيط الحكي و الاعترافات هذا، عندما تعددت المقابلات، وصرت أزوره في الجاليري الخاص به، “جاليري فراديس”، هذا المكان المخصص لبيع التحف والأنتيكات والقطع الفنية، والذي قد تجاوز كثيرًا هذه المهمة وحدها، وأصبح مكانًا مخصصًا لبوح الزائرين. زرت علاء خالد في الجاليري العديد والعديد من المرات وبصحبة أصدقاء متعددين، وكان مصير الجميع بلا استثناء هو: الإسترسال والبوح.
الحقيقة أن لعلاء خالد قدرة كبيرة على الإنصات بدون أي تدخل يمكن أن يعوق استرسال قائليه، الكلام ينقسم ويتشعب ويذهب في جميع الإتجاهات، ما إن تدخل الجاليري، حتى تشعر وكأنك قد وطأت أرضًا أخرى، كأن هذا الباب الذي يفصل بين الشارع وبين الجاليري، هو باب مفتوح على جانب جديد من النجوم، جانب لا تشعر فيه بأي تحفظات تجاه ما تقول وتجاه ما يمكن أن تقول. عندما دخلت الجاليري آخر مرة كنت بصدد إجراء حوار مع علاء خالد والحقيقة أنني كنت اخاف، أن يتحول الحوار الذي من المفترض أن يتحدث فيه علاء خالد هذه المرة إلى عملية بوح أخرى وأنسى نفسي وأنسى الحوار..
والحقيقة أن اجراء حوار مع علاء خالد هو أشبه بمضمار مفتوح في جميع الإتجاهات. عملية صيد صعبة، ليست صعوبتها في ندرة السمكات، ولكن لاستخلاص الإجابة الكافية بين محيط التجارب الواسع هذا.
س : مالذي كان من الممكن أن يكونه علاء خالد بدون الكتابة ؟
-“بدون الكتابة، كان سيظل كل هذا مضمغ بداخلي، أحاول أن أتخيل الشكل الاجتماعي الذي كانت حياتي ستسير فيه بدون الكتابة، كانت الكتابة قد قامت بتصفية شيء ما، حرضتني على الاختيار، على اتخاذ موقف ما، أن أرجع خطوتين للوراء، وأن أقوم باختراع الذات، ليست كتابة ذاتي وقتها، ولكنه اختراع ذات جديدة، أو على نحو أكثر دقة، هو اختيار الوجه المناسب لي من وجوهي المتعددة لوجودي نفسه.”
– “بعد تخرجي من الجامعة، عملت لفترة كيميائيًا، حصل أن اصطدمت كثيرًا بزملاء العمل في هذا المكان، كنت أعيش تغييرًا كبيرًا، كنت وقتها بحاجة لأن أشعر بأنني متسق مع ذاتي، أن يكون “جوايا زي اللي برايا” بالتعبير العامي. وقتها قدمت استقالتي، وتركت العمل، قبل أن التحق بالعمل، كنت أكتب قليلا وبشكل متقطع، ولكن عندما تركت العمل، شعرت أنني هذه المرة بحاجة إلى الكتابة، وكتبت الديوان الأول “الجسد عالق بمشيئة حبر”، وكان ديوانًا استرساليًا ممتدًا من البداية إلى النهاية، كتابة متصلة بين الوعي واللاوعي، بين تنوعات سيريالية وحقيقية، كتبت مشاهد كثيرة من الواقع ومن التاريخ الشخصي، تذكرات، استبطانات، نظريات، كان الديوان خارجًا من مكان اصطدامي محتدم في النفس، كنت أترك عالمًا وأدخل في عالم آخر.
-“هناك نقطة فاصلة أخرى، قبل كتابة “طرف غائب يمكن أن يبعث فينا الأمل” كنت قد توقفت لفترة طويلة عن الكتابة، لمدة 7 سنوات تقريبا، بعد حياة مبيتة و خطوط الضعف كنت أشعر أنني لم أعد أملك شيئًا لكتابته، لم يعد هناك شيئًا ما لأقوله، في هذه الفترة كانت قد ظهرت فجوة بيني وبين العالم المحيط بي، كنت قد تزوجت وبدأت انظر للحياة الحقيقية. ومن هذه الفجوة بدأت الحاجة للكتابة مرة اخرى. ليس لرصد هذه الفجوة نفسها بقدر ما كانت تقريب للمسافات، تقريب للمسافات على اتجاهين، بين المخيلة والحياة الحقيقية، برغم عدم تناقضهما. لأنني أرى أن المخيلة هي صورة من صور الحياة الحقيقية. وبين حياتي وواقعي الخاص.”
علاء خالد هو أستاذ الحكاية المدنية الأول، إن صح التعبير، إن حكاياته هي تعبير شامل عن المدينة، عن سكان المدينة العاديين، وعن الشوارع والبيوت والمقاهي والحانات والأشجار. كانت هذه الروح المدنية تستطيع أن تراها بوضوح بين سلسلة كتاباته المختلفة.
س : هل بكتابة وجوه سكندرية، استطعت أن تقدم ما هو يمكن أن يعد بمثابة رد الجميل، أو رد الدين إلى الإسكندرية ؟
ج : ليس رد الدين أو رد الجميل بمعناه الحرفي، قدر ما هو أن الإسكندرية كمكان ملهَم و مُلهِم، لا تجعلك مضطرًا لخوض رحلة الكتابة من خطوتها الأولى بقدر ما تجعلك تنطلق من الخطوة الخامسة مثلا. تاريخ هذا المكان أعطاك جزء منه، قربك شعريًا وخياليًا من عالم الرموز والخيال الذي يعج به، المكان منتعش أدبيا، يساعدك على الإحساس بانك محاطًا برموز أدبية، وشعرية، دون أن تبذل مجهودًا ما لخلق رموز من الخيال. بالتأكيد هناك نوع من رد الجميل، بخلاف اعتباري ان علاقة وجوه سكندرية بالمدينة كان عبورًا لإلقاء التحية عليها. أسلم عليها، فقد كانت في نفس الوقت محاولة لوضع علاقتي أنا الكاتب بالمدينة في حدودها القصوى خلال هذا اللقاء.
س : التصاق علاء خالد بالأسكندرية، جعل الكثير من الناس يرونك وجه آخر من وجوه الإسكندرية، أتحدث عن ارتباط علاء خالد بالإسكندرية الذي ربما يجعلك أحد رموزها. هل تقبل هذا التوصيف؟
ج : أنا أرى أن هذه مشكلة التصنيف، أسهل شيء ربما يقوم به الناس هو التصنيف، وانا لا أميل إلى التصنيفات، ولكن دعنا نخرج من هذه السؤال إلى نقطة أخرى، ربما وجودي في الإسكندرية ساعد كثيرًا في نزع مركزية القاهرة، في الماضي، عندما كنت تريد أن تكون كاتبًا، كان عليك في الخطوة الأولى أن تنتقل إلى القاهرة. أنا لم أقرر التواجد في الإسكندرية لأكون شاعر هذه المدينة بالتأكيد، هذه فكرة تقليدية قديمة، وبالتأكيد لم يكن قرار تواجدي في الإسكندرية هو قرار لمواجهة مركزية القاهرة بنوع من العناد مثلا، ربما أتى هذا نتيجة للقرار، أنا أعرف امكانيات هذه المدينة وما يمكن أن تقدمه لي، محمد منير رمزي كان يكتب قصائده هنا، إدوار الخراط كان يكتب هنا، حياة كفافيس في الإسكندرية مثلا، إن كل هذه المحاولات جعلت هذه المدينة أرحب وأوسع، المدينة تصبح أكثر قبولاً لهذا النوع من العيش، ربما تكون هذه المدينة قابلة للعب دور المركزية هذا بعد ذلك.
س : إذًا ترفض هذا التصنيف ؟
ج : أود أن أوضح، أنا لا أرى أن هذا التصنيف ضدي على سبيل المثال. لكني أرى أنه غير دقيق. كنت مرة مع إدوار الخراط عام 1990، كان يقول لي أن جيلنا –يقصد جيل ادوار الخراط – سوف لن يحقق ذاته إلا بالسعي نحو القاهرة، كانت أول مرة بالنسبة إليه أن يتعرف إلى شباب الكتاب خارج القاهرة من وجودهم في الاسكندرية مثلا في بداية التسعينات، بل وقد تحققت هناك بعض العلاقات مع الكتاب العرب أمثال صبحي حديدي ، خالد المعالي وعبد القادر الجناني. هذا النوع من العلاقات الذي كان ليس من الممكن له أن يتحقق إلا عندما تنطلق من نقطة مركزية، إن التجربة الشخصية علمتني أن أي مكان بإمكانه أن يكون صالحًا للتجربة. والتجربة الشخصية بإمكانها أن تعطي اعترافًا جديدًا، أن بإمكان أن يكون هناك شاعرًا أو كاتبًا ما أن يعيش في الإسكندرية أو غيرها.
س : هل هناك علاقة خاصة مختلفة تمامًا بينك وبين القراء والناس عن باقي كتّاب جيلك ؟
ج : بالتأكيد، رؤيتي للأديب هو أنه بطبيعة الحال يجب أن يكون هناك حوار ما بينه وبين الناس، طبيعة العمل أيضًا في مجلة أمكنة كانت تفرض عليّ الإحتكاك بالناس والحياة. العالم الآن لم يعد هذا العالم الجامد القديم، العالم المفتوح الآن لم يعد يشكل هذا المجتمع الذي يخاف الكاتب منه، المجتمع الذي يسلب فرديتك الخاصة. أعتقد أن المجتمع الآن أصبح اللقاء فيه مع الناس شيء في غاية الأهمية.
س : برغم أن الصورة المتخيّلة للأديب هو الشخص المنعزل المنكفئ على مكتبه في غرفة مغلقة
ج : “أرى أنه ينبغي علينا تغيير هذا النمط أيضًا، الكاتب الأمريكي او الاوروبي على سبيل المثال، صحيح أن العالم المعقد هناك لم يعد يتيح فيه التواصل بشكله الطبيعي الخام، ولكنهم في الغالب كانوا قد خرجوا من مستنقعهم الخاص، أحدهم كان موظف بريد، والآخر يعمل في الإسعاف أثناء الحرب، لقد كان أغلبيتهم يخرجون من تجربة حياتية عميقة، وأنا أرى أن التجربة هنا في مصر ناقصة بشكل كبير. ليس من الممكن أن تعطي حكم على المجتمع الذي يحيط بك وأنت تجربتك لا تزال صغيرة. إن الكتابة فعل جميل بشكل عام وبإمكان الجميع أن يمارسون الكتابة. ولكن أنت في حاجة إلى مصدر حياتي خام يعزز هذا الحكم. إن غرورك الشخصي بكونك أديب، يجب أن يقابله نوع من التعب والتجربة لفهم طبيعة العلاقات بين الناس، الموت، الحب، العلاقات وطبيعة الشخوص الذين تواجههم في حياتك. في النهاية سوف يتعرض العمل الأدبي للنقد. أتصور هذا، حتى أكثر درجات الأدب غرابة وتركيبا، فهي في النهاية آتية من تجربة، من رغبة، من أزمة، من بحث، آتية من إحساس ما بالإضطهاد أو النقص. كلها في النهاية سوف تعود إلى المجتمع مرة أخرى بصورتها الجديدة. إنني أرى في النهاية أن الأدب هو أداة من أدوات المجتمع التي من المفترض أن تسهم بشكل إيجابي لصالح بقاء البشرية والحضارة. أتصور هذا.”
س : تمتلك 6 دواوين من الشعر، منهم الدواوين الأولى مثل “الجسد عالق بمشيئة حبر” و “تهب طقس الجسد إلى الرمز” و “حياة مبيتة”، ولكننا لا نجد هذه الدواوين أبدًا في أي مكان، ألم تفكر بإعادة طبعهم مرة أخرى؟
ج : “هناك 300 او 400 نسخة فقط من الجسد عالق بمشيئة حبر مثلا. وديوان ” تهب طقس الجسد إلى الرمز” طبعت منه فقط حوالي 200 نسخة. ولم أقم بإعادة طبعهم مرة أخرى. أنا الآن أكثر اهتمامًا بالكتابات القادمة التي سوف أكتبها، خلال العشرين سنة الماضية، كانت جميع الأعمال الأدبية خارج إطار أي مخطط نقدي حقيقي، لا توجد هناك خريطة ما ترسم أدب هذه الفترة، عندما تندمج هذه الفترة بداخل شكل ما يحددها، وقتها يكون من الممكن إعادة نشرها مرة أخرى. خلال السنوات الاخيرة توسع المشهد الأدبي قليلا بدخول أجيال جديدة فأصبح هناك بعض الاهتمام، ولكنه لم يولد اهتمامًا نقديًا كافيًا بعد.”
إن كتابات علاء خالد لا تتحدث عن الآلام، أو العذابات، كخصم يجب تعريته، ولكنها جميعًا مدخلات تسير بغير هدف في فعل الوجود الإنساني، ليس بوسعنا أن نمجد هشاشتنا في مواجهة انهمار ضربات الحياة تلك. أن ننظر لها ونبتسم، لا نستسلم، ولكننا ندخل في حوار داخلي معها. يجعلنا علاء خالد دائمًا أن ننظر إلى حياتنا كاحتمالية حكاية قادمة، او قصيدة تجتاح الوجدان كأنها مصب نهر بارد. منعش للذاكرة. يقول علاء خالد في “حياة مبيتة” :
“سأقضي السنوات العشر الأخيرة، من حياتي في احتساء الخمر، عازفاً عن الأحاديث الجادة والأصدقاء المهمين، كي أراقب هزائمي، من قريب، بروح ثملة، بقلب عامد في التفاهة، كي لا أبدد أحزاني المتبقية، ذخيرة طفولتي، على امرأة واحدة، وأعبد أمام عيني طرقاً جانبية للبكاء، بمثيرات غاية في الضعف، بشرخ بسيط في زجاجة الخمر، ستخطئه يدي وتلحظه روحي في عزلتي المتنامية، وسأضع يدي، الوصايا العشر في عناية النار، كي لا أكتب بعد الآن بيد باردة وبأعصاب غير محترقة. ولكني سأقف مهزوماً، أمام رجل ظل يراقبني في البار، ويعلم أن وراء كل تفاهتي روحاً معذبة، سأقف أمامه منكساً، عندما يصرخ في وجهي، إن حياتك ما زالت هناك“
بعد ثلاثة دواوين شعر كاملة كتب علاء خالد “خطوط الضعف”، لوهلة أحسست أن الدواوين السابقة كانت محاولة لاكتشاف الذات بدون اصطدام، ثم أتت خطوط الضعف، والتي شعرت كأنها محاولة لفرض تصفية حساب مع الذات، مع توالي الفصول، كانت الرواية تأخذ منحنيات أكثر تجريدية، أكثر عمقًا، كنت أشعر بالمحاولات المستمرة في الوصول إلى النواة الأخيرة. أن يُفًض هذا الاشتباك، هذا الصراع القلق داخل النفس، أن تخرج إنسانًا جديدًا..
يحكي لي علاء خالد عن خطوط الضعف :
– “في البداية الفكرة الشعرية بدأت في أتخاذ مساحة أوسع، مساحة حياتية، تريد فيها أن تكشف وجودك الداخلي، الشعر عندي إلى حد ما كان نوع من اكتشاف الذات، كان الجسد عالق بمشيئة حبر عندي هو مساحة للتأسيس، خرجت منها الديوانين التاليين، وأصبحت الدواوين الثلاثة الأولى محاولة لتعرية هذا الضعف، ومنها خرجت الرواية التالية لهم، خطوط الضعف.”
-” كانت خطوط الضعف بداية لان تتكشف لدي فكرة السلطة ومواجهتها، السلطة بأشكالها المتعددة، سلطة الأب، سلطة الأم، سلطة الجنس، السلطة تختلف في حياة مبيتة، نظرًا لوجود آخر في هذا الديوان، السلطة في حياة مبيتة كانت سلطة مطلوبة، سلطة الحب.”
-” كانت الثلاثة دواوين الأولى محاولة لاكتشاف السطح الذي ينبغي أن تتجاوزه، اكتشافه على كل وجوهه، اكتشاف سلطة الأب وسلطة الجسد وسلطة الدين، وإلى حد ما خرجت من خطوط الضعف إنسان آخر. كانت خطوط الضعف نوع من التحرر. ولم أكن أعرف لماذا خرجت خطوط الضعف على شكل رواية، ولكنه الشكل الذي وجد النص نفسه عليه. الفصول الأخيرة تقول لي أنها كانت تجريدية إلى حد ما، لقد أتت من مكان أعمق في الوجود، كانت عملية اكتشاف متتالية للموجودات. وخرج النص بهذا الشكل. لم أكن أعرف أنني كنت سأصل لهذه المرحلة، ولكن بعد الصفحات الأولى للرواية علمت أن هناك بعض الأمور بدأت في الإنفلات مني. وبدأ النص في اكتشاف ذاته.”
– ” بعد أن عدت من سيوة وانتهيت من خطوط الضعف، كنت أقوم بقراءة بعض نصوص مختلفة من الجسد عالق بمشيئة حبر، كنت قد كتبت عن رحلة سيوة مسبقًا ونسيت ذلك، حتى لو بشكل رمزي، الحقيقة أن هناك مجموعة من النيات تختفي، حتى تظهر في لحظات متفرقة، وكانت رحلة سيوة، دون عمد، أحد هذه النيات التي أخذت مجراها في التحقق. “
– ” بعد خطوط الضعف كنت قد أدركت ان نظرتي السابقة للأمور لم تكن نظرة كافية، كنت أوجد نفسي أكثر في مكان الإنسان المُضطهد أكثر ما أوجد نفسي في صورة ذلك الإنسان الجديد الذي لم يكن وقتها قد تم تأويله بعد. بدأت في اخضاع نفسي لسياق جديد، تقبلت فكرة الزواج، تقبلت فكرة العمل، وكان أن ظهر الجاليري.”
-“اخترت عنوان الرواية بعد الانتهاء من الكتابة، تكونت سيوة بين سلسلة جبلية، هندسيًا، بين تعرجات الجبال تكونت هناك بعض المناطق الهشة، كانت هذه المناطق الهشة تكون في ضيقها هذا خطوطًا جغرافية ما، كانت هذه الخطوط بالذات هي خطوط الضعف.”
فور سماعي لحكاية عنونة خطوط الضعف، تذكرت على الفور ما قاله المترجم والكاتب الشاب شادي عبد العزيز فور قراءته خطوط الضعف، ان رحلة الكاتب بداخل الكتاب، “ما كانت إلا رحلة في خطوط ضعف القاطنين لتلك الصفحات، بعيدا عن الإدانة المطلقة، او التبرئة الكاملة، يحل الاعتراف بالشقوق المخفية لكل من تحدث عنهم علاء، ولا يعفي نفسه.” وتبين لدي أن هناك دائمًا خطوط متقاطعة ما بين كتابات علاء خالد نفسها، خطوط ينشئها الكاتب، وخطوط ينشئها النص، وخطوط ينشئها القارئ. إن كتابة علاء خالد هي عبارة عن زورق ورقي كامل من الخطوط المتقاطعة. تسبح في نهر ذاكرته الخاص. هذا الزورق بصراعاته الداخلية المتعددة، بدأ مسيرة هذا السرد المتنوع منذ أول ديوان، مرورًا بالمحطات الفاصلة، كخطوط الضعف، وطرف غائب يمكن أن يبعث فينا الأمل، حتى وصل لبر أمان، في الكتابة الرائقة والعذبة والمتسامحة مع العالم، في بيانها الأشد نعومة وتماثلاُ لتيارات الرياح ” ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر”.
يقر علاء في الرواية: ” بوفاة أمي انقطع حلم السير في هذا النهار الطول، اختفى الماضي من أحلامي، أو حتى إشاراته البسيطة أو حتى بواطن ذكرياته. أنا الآن سعيد لأن الماضي خرج من قائمة أحلامي، برغم شعوري ببعض الألم من هذا النسيان، ولكنه ألم خفيف كريشة طائر تنتقل بهدوء من مكان لآخر”
..