كان علاء ينشر في “أخبار الأدب” ما يمثل إرهاصات لملف ما سيصدر قريباً في أمكنة، وببساطة كنا نتلقف ما يرسله بشغف وحماس كبيرين، حيث صارت ريبورتاجاته حول ثقافة المكان وارتباطه بالبشر جزءاً من تكوين الجريدة في ذلك التوقيت، وقد عملتُ معه في تجربة أقامتها مؤسسة “بروهلفتسيا”. البرنامج الذي اقترحتُه، وتم تنفيذ شقه الأول فقط، كان يقضي بتجميع عدد من الكتاب، أسامة الدناصوري (محلة مالك)، أحمد أبوخنيجر (أسوان)، علاء خالد (الإسكندرية)، ونويل روفا ويوجين من (سويسرا)، حيث يذهب الجميع لمشاهدة أماكن طفولتهم على الطبيعة ويستدعون ذكرياتهم حولها ثم يكتبون انطباعاتهم مجدداً عن الرحلة. كانت رحلة عظيمة، وأظن أننا بدأنا بعلاء خالد في كينج مريوط. كان يتحدث حول منزله الذي شهد طفولته هناك بحماس، ولكن كانت المشكلة في أن هذا المنزل لم يعد ملكاً لأهله، وفي أحد الشوارع توقف فجأة فتوقفنا، وأشار إلى منزل تبدو بداخله، حسبما أظن بشكل طفولي، مروحة ضخمة، أو طاحونة، ثم اتجهنا إليه وطرق علاء الباب ففتح خادم. علاء عاد حزيناً للغاية. عرفنا أنه شرح فكرة الرحلة وعرَّف بنفسه، وطلب من المالك السماح لنا بالدخول، ولكنه رفض، وتكفَّل أسامة الدناصوري بإفيهاته في إخراجه من حالة الحزن التي سيطرت عليه. ينصت علاء أكثر مما يتحدث، ولديه جانب في شخصيته شديد الطيبة، وهو يضحك من قلبه، كنا نخشى عليه أنا وسلوى أن يجرى له شيء من نوبة ضحك انتابته في منزل خال أحمدأبوخنيجر في الرمادي بأسوان. كان الموقف الذي لا يُنسى اكتشاف أحمد أن هناك ثعباناً فوق (الستيرة) (سقف المكان) الذي نجلس تحته، اختطف أحمد (جريدة نخلة) وجرى بها ثم ظهر أعلى المكان، وسأله خاله: “فيه إيه يا أحمد؟”،وجاوبه بضربة من (الجريدة) على (الستيرة) (السقف)،ثم هتف: “تعبان يا خال!!”.
علاء خالد أصيب بانهيار من الضحك، أما الباقون، ومنهم أنا، فأصبنا بذعر حقيقي. اختفى خاله، ثم ظهر في ثوان أعلى السطح، معلناً أنه أتمّ المهمة، وكان يوجه كلامه إلى أحمد بهدف طمأنتنا: “دى حيَّة بتاعة الكتاكيت!!”. لم يهدأ علاء، وظل يضحك طوال اليوم. كنا نجلس أحياناً لنتحدث في أي شيء، ثم ينفجر هو في الضحك، لأن المشهد مرَّ على خاطره، بكل تأكيد. لم نر أماكن طفولة نويل ويوجين، غير أنهما كتبا شهادتين جميلتين، كما كتبنا انطباعاتنا وسلمناها لعلاء، وأصدرها في جريدة، ما زلت أحتفظ بها، وهي أيضاً تثبت أنه من صُنَّاع المدفعية الثقيلة. هذه الشهادة لا تفي علاء حقه لأنها على الأقل لم تتعرض لأعماله الشعرية والنثرية الجميلة، وهناك من سيتناولها بكل تأكيد، غير أنني أردت فقط الإشارة إلى صانع ثقافة من الطراز الرفيع، وإنسان بسيط يستحق المحبة.