ظِلالُ الماضِي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

بِصمتٍ مُفعمٍ بالذهول أحسستُ بالتعب يسري في جسدي ..

قلت لأنام علَّني أستعيد بعضاً من نشاطي. وسناتٌ خاطفة هي كل ما حصلتُ عليه.. قميصي مبلَّلٌ يلتصق بجلدي.. أتنفس بصعوبة.. عدلت عن فكرة النوم، تركتُ سريري.. فتحت النافذة، أطللتُ.. الليل مازال باسطاً ستاره. أخذت كرسياً وقعدتُ قرب النافذة أنتظر أول شعاع ترسله شمس هذا اليوم وينير حياتي ببهجة ظلت لمدة  مقبورة. صدى صوتُ أمي مازال يطرق أذني:

” وحدها الأحزانُ تأتي دفعةً واحدة.. “

كنتُ من قبلُ كلما سمعتها تردد ذلك أخفف عن نفسي بالبكاء. اليوم ما عادت الدموع تفي بذلك. أكتفي اليوم بترديد ما كان يقوله أبي عندما تكشر الحياة في وجهه:

” ما الجدوى من أن يموت المرء ميتاتٍ متعددة، في حين إن ميتة واحدة تكفي..”

وأهَرِّبُ نظراتي نحو الجدار حتى لا يرى دموعي.. على الجدار تنمو نباتاتٌ معاندة، وفي قلبي يُزهر حقلُ أشواك.. أحدق في وجهه؛ شفتان مشققتان ولحية شعثة..  وأقول لنفسي أبي ماتَ ميتاتٍ متعددة وما زال يحمل على كتفيه وجعَ وحزنَ الدنيا..”، وأمسح بِكَمِّ قميصي عرقاً انساب من جبهتي..

          حياتي أصبحت جوفاء تغيب عنها ظلال الماضي.. حياتي غدت متقلبة لا تستقر على حال كالظلال التي لا يمكن القبضُ عليها أو الإمساكُ بها، الكلماتُ تتلعثم في فمي وقلبي يخفق بشكل متواصل وسريع.. وأبي غير عابئ بي. 

” ما الجدوى من أن يموت المرء ميتاتٍ متعددة؟” سألتهُ وانتظرتُ منه أن يجيب لكنه التَفَّ بالصمت.. أحسستُ أن الأرض تميد بي.. قضيتُ لحظات لم أدر مداها أنتظر إجابة منه.. قال بصوتٍ لَهَبَهُ الحزن:                  ” ظلالُ الماضي.. ظلالُ الماضي”، ولم تتوقف آلة الحكي عن الحديث..

تَحدَّثَ وتَحدَّثَ..

تَحدَّثَ عن الحياة السعيدة التي عاشتها أسرتنا.. تَحدَّثَ عن الرفاه الذي كنا ننعم فيه.. تَحدَّثَ عن اللحظات التي كان صوتُ الفرح يلعلعُ معلناً عن حضوره بيننا..

بدأتُ أهز رأسي وهو يتحدث لأشعره أني أوافق على ما يقول. أحسَّ من نظراتي أني لا أوافقه الرأي. ظللتُ صامتاً أحدق في الفراغ. لما ألفاني صامتاً أعلن عن وجوده بالسعال.. بدا الفزعُ في عينيه، انعقد لسانه، نظر حيث أجلس وأشاح بوجهه، بدوره، نحو النافذة وولَّعَ سيجارة، يداه ترتعشان فيفشل في أن يوصلها إلى فمه.. أخذته لحظة تفكير عميق، عقد حاجبيه وقال ممتعضاً:

” ظلال الماضي.. ظلال الماضي”..

قالها وبدأ يضحك، تحولت ضحكته إلى قهقهة، يضحك ويحاول أن يقول لي شيئاً إلا أن ضحكته تمنعه من ذلك.. توقف للحظة عن الضحك، رفع رأسه، نظر إلي وابتسم كانت ابتسامته باهتة ومُتعبة كتعب جدران تنثال منها البرودة والرطوبة.. 

أنظر حولي، المكان غارق في البرودة والرطوبة.. بدا الفزع في عينيه، انعقد لسانه..

حاول أن يولع سيجارة جديدة، يداه ترتعشان فيفشل، أخذته لحظة تأمل عميق.. عقد حاجبيه وقال ممتعضاً:

“ظلال الماضي” ..

بدأ يضحك من جديد، تحولت ضحكته إلى قهقهة، يضحك ويحاول أن يقول لي شيئاً.. توقف للحظة عن الضحك رفع رأسه، نظر إلي وابتسم كانت ابتسامته باهتة ومُتعبة.  جدران تنثال منها البرودة والرطوبة..

دخلت أمي إلى الغرفة، بدأت دموعها تنثال، ساحت وروت وجنتيها، اقتربتْ منه، وضعت يدها على كتفه وسحبته إلى خارج الغرفة.. 

آخذُ ألبوم الصور.. أبحثُ عن الرفاه والنعيم والحياة السعيدة.. كآبةٌ لا تخطئها العينُ..

 أشعر بالوَسَن.. أضعُ ألبوم الصور جانباً.. أُغمِضُ عينَيَّ وأُغازِلُ نوماً هَجَرني..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون