ظل “السيد واى”

ظل "السيد واى"
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

إيهاب الملاح

"ما زلت أقرأ لأتعلم. ما زلت متمرنًا فحسب، مبتدئًا دائما، مجرد هاو، لا أتورط أكثر"..

من الصعب أن يقرأ المرء رواية لا يجد نفسه بعد الانتهاء منها مدركا لحقيقة وجوده، وعما إذا كان موجودا على الحقيقة أم أنه مجرد «وعى محض» حامل لذوات عديدة مرت به، أو ستمر به لاحقا، وهو من بينها غير متأكد ولا يملك اليقين إن كان كيانا ماديا قائما على الحقيقة؟!

فى روايتها «نهاية السيد واى»، التى ترجمتها باقتدار إيمان حرز الله، وصدرت حديثا عن دار «التنوير» بالقاهرة، تنسج الروائية البريطانية الشابة سكارليت توماس رواية أفكار، إن جاز التعبير، تقوم على استدعاء كم لا بأس من المعارف العلمية، الفيزيقية والطبيعية والرياضية، والنظريات العلمية الحديثة كميكانيكا الكم وفيزياء الجسيمات، لتضفر عالما يتماهى فيه الواقعى مع الخيالى، وتتداعى فيه الأحداث فى قالب من السرد الشائق والتشويق المضاعف لمعرفة مصير من ستصيبه اللعنة إذا قرأ مخطوطة كتاب قديم، مفقود من القرن التاسع عشر، هى نسخة قديمة ونادرة من رواية تدفع الباحثة الأكاديمية الشابة «آريل مانتو»، إلى الانغماس فى تتبع هذه الرواية التى ستغير حياتها وتفضى بها إلى مصير مدهش وغريب سيعرفه القارئ فى ختام الرواية. «نيوتن» و«داروين» و«هايدجر» و«دريدا»، وغيرهم من أعلام الفكر والثقافة الغربية، ترددت أسماؤهم داخل الرواية التى تحيل إلى الكثير من أفكارهم وآرائهم وتصوراتهم العلمية والفلسفية حول «الحقيقة» و«البعد الرابع» و«السفر عبر الزمن» و«الانتقال عبر الوعى»، وربما هذا ما دفع الروائى والكاتب اللبنانى الكبير عباس بيضون إلى التعليق على هذه الرواية الغريبة قائلا: «أقرأ فى رواية «نهاية السيد واى».. يمكن لأىِّ كائن أن يعتبر نفسه السيد واى. هل أكون أنا السيد واى أو على الأقل ظله؟».

«آريل مانتو» هى السارد الرئيسى لأحداث الرواية، باحثة أكاديمية شابة جميلة، وصحفية موسوعية الثقافة، تركز فى أبحاثها التى تجريها فى المنطقة الوسطى بين الأدب والعلم التطبيقى البحت على التجارب الفكرية الغامضة فى القرن التاسع عشر، قارئة نهمة، تعانى من شظف العيش وضيق الحال، تحيا فى شقة تكاد تخلو من الأثاث والدفء معا، ترتع فيها الفئران وتمرح فيها الحشرات الصغيرة، لكنها ورغم ذلك فإنها يمكن أن تضحى بجنيهاتها المعدودة وتذهب لشراء صندوق من الكتب القديمة والنادرة تجد بداخله الرواية المفقودة لأحد الكتاب الغامضين فى القرن التاسع عشر اسمه «توماس لوماى» لا تكاد تتوافر عنه معلومات واضحة وصريحة، وارتبط اسمه بحديث غامض عن لعنة تصيب كل من يقرأ روايته المفقودة تلك!

الغريب أن أستاذها المشرف على أطروحتها الجامعية والذى تناقش معها قبل اختفائه فى اختيار هذه الرواية المفقودة موضوعا لأطروحتها، لكنه يختفى بصورة مريبة وغامضة قبل أن تخطو الخطوات الأولى لهذا البحث الذى ارتبط منذ فكرته الأولى بلعنة مجهولة تحل بكل من اتصل بهذا الكتاب أو سعى وراءه أو حاول فك لغزه!

القراءة بالنسبة لآريل هى رحلة للنقاء والهروب والسفر، القراء هى «الحياة الحقيقية التى أعطتنى إياها الكتب، فبدلا من ذلك أعطونى محتويات الكتب غير المرئية، الأفكار، الآراء، الصور، دعونى أصبح جزءا من كتاب، سأدفع أى شىء من أجل ذلك».

رواية رائعة بمستوياتها المركبة وأسئلتها الشائكة وفرضياتها المرعبة!! هل تحتمل عقولنا الضعيفة كل هذا الخيال المعرفى الرهيب؟ أحببت «آريل مانتو» كثيرا تلك التى تخشى على الجرذان المزعجة من القتل فتسرحهم فى الباحات الخلفية لمسكنها.. والتى تضطر إلى ممارسة الجنس فى صوره الأكثر انحرافا وشذوذا لتحصل على عشرة جنيهات إسترلينية لتوفر احتياجاتها المعيشية الضرورية لعدة أيام بالكاد يمكن أن تبقيها على قيد الحياة!

إنها رواية جميلة ومزعجة!

مقالات من نفس القسم