نظراتها الثابتة كانت لا تراني طول الوقت, ربما لذلك ظلت ابتسامتها هادئة وغير مكترثة .
حول عنقها سلسلة ذهبية سميكة يتدلي منها “قرن شطة”.. من يا تري كانت تحب أن تغيظ؟
مع كل مرحلة كانت تحدث تغييرات في ترتيب الأثاث بالشقة , توزيع الحجرات , سرير زيادة أو ناقص .. يتزامن التغيير غالبا مع حدث مميز.. امتحانات ثانوية عامة , عقد قران .. عزومة هامة … إلخ
ظلت هي مكانها رغم الأشياء التي تتبدل حولها .. تشاهد كل شيء بعينيها الميتتين .
صورة كارنيه نادي المعلمين الصغيرة تم التقاطها في ستوديو يقع في أول الشارع الذي نسكن فيه , والذي شهد كذلك كل أحداث حياتنا الهامة بدءا من صور الشهادة الإبتدائية وحتى صور الزفاف .
ظللت في كل مرة أكره الصور التي يلتقطها لنا دون أن أجرؤ على تغييره، ..لم تكن المشكله فيه بالذات بل في صور الاستوديو بشكل عام . هذه الصور تختلف عن الصور الحياتية التي تلتقط في المناسبات المختلفة وتكون نابضة بالحركة . على أي حال لم يكن لدينا اختيار, فهي لم تحب التقاط الصور في حياتها . من أجل أن تصلح للتعليق علي الحائط , تم تكبيرصورة الكارنيه ووضعها في الإطار المذهب الفخم .
عندما تكبّر الصورة قليلاَ عن حد معين تتلاشي التفاصيل الصغيرة .. خطوط الوجه .. تعبيراته ..تصبح صورة غامضة تليق بسيدة ميتة .
النادي تغير كثيرا بعدها .. رأيته مرة أو مرتين بنفس حالته القديمة ..دخلناه بتخفيض برفقة زوجة أبي , بصفتنا أسرة الراحلة .
كرسيها المفضل..حقيبتها الكبيرة المليئة بالساندويتشات ..مكان لعب الكرة ..قاعة الأفراح..كل شيء تهدم للأبد مع إنشاء الكورنيش الجديد .
ظلت إبرتي الكروشيه في الدرج .. وظل مسلسل ” فالكون كريست ” يتابع عرضه – أكملت لها مشاهدة بقية الحلقات التي عرضت بعد رحيلها .
لم أحب أبدا الحديث في الأمر , كنت أعتقد أن حياتي تمر بصورة عادية , وكنت أستاء من نظرة عدم الفهم في عيون زميلاتي .. كانت إحداهن تلعب معي في الغرفة حين سألتني : أين أمك ؟ أشرت للصورة بدون اكتراث وقلت : هاهي .
السيدات الأكبر سنا كن يحطنني بنظرة تحمل من الهلع والإشفاق ما لم أجد له مبررا حينها .. أحيانا لا تعرف ما الذي فقدته لأنك لم تع أنك تملكه .
حين يعطس طفلي الصغير , أنتفض من مكاني , أقوم لأجس حرارته , فيضحك من حركتي المفاجئة ..يعتبرها لعبه ..يعطس ثانية ناظرا لي بخبث . أجاريه , وأدعي أنني أداعبه لأمنع القلق من الوصول إليه .
أقص أظافره الصغيرة , وأقبلها واحدا واحدا لأتأكد أن لا شيء يؤلمه .
الآن أعرف سر النظرات في عيون السيدات الكبيرات … مضي زمن طويل علي أي حال .
خاص الكتابة