صوت شعري متفرِّد وتجربة لا تتكرر

hatem radwan
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاتم رضوان

رغم أننا ننتمي للمدينة نفسها –بنها– ولا يفصلنا غير سنوات قليلة، يكبرني بها، إلا أن أول لقاء بيننا ضمتنا فيه ندوة محمد جبريل في المبنى القديم لجريدة المساء بشارع زكريا أحمد، إن لم تخني الذاكرة كان الأصدقاء يناقشون ديوان سمير درويش الأول قطوفها وسيوفي الصادر عن هيئة قصور الثقافة، كوكبة من الأصدقاء صاروا نجومًا لامعة، جيل متفرد من المبدعين، سمير درويش أحد نجومه، وأبرزهم، تكررت بعدها لقاءاتنا في الندوات وعلى المقاهي، ومرات قليلة في مدينتنا بنها، تتباعد أحيانا ونلتقي گأن السنوات لم تمر، أهداني خلالها الكثير من أعمالة الإبداعية، آخرها روايتة ليس بعيدًا عن رأس الرجل- عزيزة ويونس الصادرة عن مؤسسة بتانة للنشر والتوزيع، وقبلها الأعمال الشعرية الكاملة الصادرة عن ميتابوك للنشر والتوزيع.

سمير درويش تركيبة فريدة، صعب أن تتكرر، لم أقابل في حياتي مثلها إلا القليل، طاقة متدفقة ومتجددة تبحث دائمًا عن التحقق والسعي وراء الجمال، والاكتمال، صاحب مواهب ومهارات متعددة، صقلتها سنوات من الاجتهاد والخبرة والاحتكاك مع الكبار في كل مجال أقدم على الخوض فيه.

شاعر لا يشق له غبار تطورت تجربته الشعرية حتى استقر على قصيدة النثر وأصبح أحد أعلامها بما له من صوت خاص ومتفرد وبعد فلسفي، لغة قصائده بسيطة ومكثفة، يستخدمها في براعة ليرسم عالمه الشعري غبر العادي، إنه يجعل العادي غير عادي، وتصنع من النص الشعري وليس من الجمل الشعرية منفصلة وحدة جمالية كلية، أي أن النص الكلي هو البطل.

سمير درويش مثقف له رؤية عميقة، يطالعنا بها في مقالته المنشورة بالعديد من الجرائد والمجلات والدوريات، أو على شكل منشورات على صفحته بالفيس بوك، ومفكر وباحث يهوى السباحة ضد التيار، وضد كل ما هو سائد وثابت منذ قرون، غامر بآرائه الجريئة دون مواربة حول قضية تجديد الخطاب الديني، وتعرض لبعض النصوص الدينية الموضوعة، يفندها ويثبت خطأها أو شططها، ومخالفتها لصحيح الكتاب أو عدم ملاءمتها لروح العصر، يسعى جادًّا لتخليصها من الأساطير، وما يتنافى مع ما لا يدركه أو يختلف معه العقل، غير عابئ بما يلقاه في سبيل ذلك من اتهامات، وتشكيك في حسن نواياه.

يمتلك سمير درويش أيضا حسًّا فنيًّا مرهفًا وراقيًا، يصمم أغلفة بعض الكتب، فترات راحته بين القراءة والكتابة، أتذكر أن الأستاذ محمد جبريل أثني في لقاء لي معه من سنوات قليلة على غلاف روايته حيرة الشاذلي والذي صممه سمير درويش.

وكذلك هو روائي متمكن، سبقت روايته المدهشة ليس بعيدًا عن الرأس الرجل– عزيزة ويونس، والتي وصلت إلى القائمة الطويلة لمسابقة كتارا وأتمنى من قلبي تصعيدها للقائمة القصيرة ولما لا الفوز بها، روايتان، خمس سنوات رملية وطائر خفيف.

إضافة إلى أنه يمتلك حسًّا نقديًّا عميقًا لناقد محترف، يجيد تحليل النصوص وقراءتها، وكتابة انطباعات جادة عنها، تتميز بالصدق ووضوح الرؤية، وله غير مقالاته المنشورة أو على صفحته بالفيس بوك كتابان نقديان: تفكيك مركزية السرد العربي وفتنة التشكيل- دراسات حول تجربة رفعت سلام الشعرية.

هكذا نرى أن أعمال سمير درويش الإبداعية قد تنوعت ما بين الشعر وكتب السيرة الذاتية وكتب الفكر السياسي والديني، النقد الأدبي والروايات، وبحكم أنه شاعر في الأصل طغت أعداد دواوينه على كل ما عداها من كتب أخرى.

من ينسى تجربة سمير درويش غير المسبوقة في تأسيس وترأس تحرير مجلة ميريت الثقافية في صورتها الإليكترونية عام 2019، بدعم بسيط من دار ميريت للنشر، تقريبًا كان يقوم بتحرير كل صغيرة وكبيرة فيها بمفرده، واستمرت لمدة خمس سنوات حتى قرر التوقف لأسباب ارتأى فيها الغبن الواقع على المبدعين والكتاب الذين ينشرون أعمالهم فيها لعدم قدرته على إعطائهم ما يستحقون من مكافآت، بالرغم من أن أحدًا لم يشكُ، وكانوا يقدمون إبدعاتهم محبة وتقديرا لهذا المجهود الجبار وقيمة المجلة التي آلت ألا تنشر كل ما هو جدير بقرَّائها، وسعدتُ بنشر أكثر من قصة بها، ونُشرت بها -أيضا- بعض الدراسات عن أعمال لي، وأتمنى أن يخرج للنور مشروع طباعة أعداد المجلة ورقيًّا بالتعاون مع مؤسسة بتانة، وأن تجد المجلة داعمين حقيقين لإعادتها مرة أخرى إلى الحياة، لأننا بتوقف المجلة فقدنا رافدًا ثقافيًّا متميزًا ونافذة هامة للمبدعين والمثقفين.

من يغفل قدرات سمير درويش الإدارية التي تؤهله لأن يكون كادرًا ثقافيًّا بارزًا، يخطط للثقافة في مصر، صعد سمير درويش سلم الإدارة درجة درجة، بدءًا من اتحاد الكتاب، تربى فيها على يد عمالقة ترأسوا الاتحاد فاروق خورشيد وفاروق شوشة ومحمد سلماوي، وعمله مديرًا لتحرير مجلة الكاتب العربي ثم مديرًا تنفيذيًا لاتحاد الكتاب العرب، ومرورًا بالعديد من المناصب بالهيئة العامة لقصور الثقافة: رئيسًا لتحرير سلسلة الإبداع العربي، ومجلة الثقافة الجديدة، ومديرًا عامًا بها، سيرة إدارية عامرة، لو كان التقدم أو الاختيار لمنصب ما يشترطها لكان جديرًا به أن يصبح وزيرًا للثقافة.

مبلغ سعادتي في الكتابة عن سمير ليس أنه هذا المثقف والمفكر الموسوعي الجريء أو المبدع المجيد والمجدد في الشعر أو الرواية، ولا كونه إداريًّا محنكًا فقط، لكنه أيضًا هذا التواصل الإنساني الجميل، في زياراته المتقطعة إلى مصر، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم