شيفون أبيض
راما غيث
اختفى الأتوبيس بعد أن غادر آخر سلمة من سلالمه، كل شيء اختلف تماما، فجأة تظهر الجِمال والخيول، لا أثر لعجلات على الرمال التي يدوسها بقدميه، والتي تمتد أمامه حتى شاطيء البحر، في منتصف المسافة بينه وبين البحر فاصل طولي بأكواخ خشبية أسقفها من جريد النخل, يقترب من أحد الأكواخ ليجدها من الداخل مبطنة بخشب قديم وبالكاد يكون متماسك، يطرق الباب فلم يستجب أحد، الفضول يطن كنحلة في رأسه، يعثر على نافذة قصيرة مفتوحة بترحاب في الجانب الأيسر فيدخل منها، محتويات السكن مبعثرة في كل مكان، يتوسط تلك الفوضى كرسي عليه عجوز نائم في هدوء، ملقى على الأرض زجاجات ويسكي، تدفق الدم يزداد في عروقه وجسده يلفظ عرق بارد، تردد للحظات في أن يوقظه، ابتعدت خطواته عن العجوز؛ ثم سحب زجاجة وخرج من شباك في جانب آخر مفتوح، ابتعد بضعة خطوات وقف ليستطعم مرارة الويسكي على مهل، يتأمل تفاصيل المكان وهو يتنفس النسيم..
ما إن وصل إلي الشاطيء؛ إلا و وجد نفسه حافي القدمين، لمست باطن قدميه الرمل المبلل، داعبت أنفه رائحة مسك مخلوطة بهواء البحر، بجانبه ممر صخري، بعدما انتهى من عبوره وجد نفسه أمام خيمة، قماشها شيفون أبيض تحتها طبقة من الحرير، تتطاير الستائر ولا يتبين من بالداخل، يقترب كالمجذوب، يمر من بين القماش المرفرف في الهواء، يرى عجوز ترتدي عبائة ألوانها متداخلة بين الأحمر والأصفر والأزرق الصافي، بشرتها شديدة السُمرة، لهجتها النوبية مرحة كرسوم الحناء؛ التي ترسمها بخفة على أيدي الشابات الجالسات أمامها، ترفع العجوز رأسها فتجده واقفًا أمامها مبتسمًا، تتبدل نظرتها الودودة لنظرة حازمة، أشارت للبنات فغادرن المكان بسرعة، أدار ظهره خارجًا هو الآخر؛ فسمع اسمه منطوقا بلهجة جعلته يتسمر مكانه، إلتف عائد على عكس ما كان يرغب، أومئت في دعوة منها له بالجلوس، استجاب لإيمائتها كالمسحور، أطرافه ترتجف وجسمه ينتفض، طلبت أن ترى كفه فمده لها..
ما إن دققت النظر حتى وجد نظرة خائفة تحتل عينيها الواسعتين المكحلتين بالكحل الأسود القاتم، تمتمت بصوت هامس خرج من بين شفتين عريضتين, جلد وجهها المكرمش تزداد تفاصيله, زادت نبضاته سرعة وهي تفتش بين خطوط كفه، قشعريرة تنتابه عندما حكي بصوت مرتعش ما قالته له تلك السيدة، وهي ترفع رأسها ناظرة في عينيه الخائفتين "عد إلي زمنك".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصّة مصرية
والقصة فائزة بالترجمة للإنجليزية والإسبانية في مسابقة ألفا قصة وصحوة