يربط شبلول المكان بوعى الأطفال فيكون محيط نصوصه الشعرية هو الإسكندرية، فيكتب:
“تلك القلعة في الأنفوشي
قلعة قايتباي تطل على الصيادين
هذا وجه.. أعرفه منذ سنين
هذا لا أعرفه..”
يفصل الديوان المحبة.. تلك الكلمة الواسعة إلى مفردات حول الطفل: القمر، صديقه محمود، شوارع مدينته، وجه معلمته الذي “مثل الشمس” وتبدو الأشياء المحيطة أنها محببة للطفل، لأن النصوص تقدمها كأشياء مميزة محيطة، وتركز على زوايا تثير وعي الطفل تجاهها، فيقول أن: “الجمل السفينة/ والماء مدينة”.
وكما بدأ الديوان بمصطلح قلب القمر، وإثارة الأفكار نحو إمكانية أن يكون للقمر قلب، فقد استمرت النصوص في إضفاء الحيوية على الأشياء، في نموذج الحجر، وهو الذي كان يصاحب الماء في جريانه بالنهر، وأصبح لكل حجر حياة ورحلة يخوضها:
“سل أحجار فلسطين
سل أشجار الزيتون
سل أطفال النصر هناك
أهم يمشون على الأشواك
سل أحجار الأهرام”
ويمنح النص قيمة لكل ما هو جامد ويخبئ الحياة خلفه، وكيف يحس الحجر برائحة الناس في البيت: “أشم روائح من في الببت/ فأنا حجر/ لكني أشعر/ وأفكر”. ويلخص هذا النص مواضع للأحجار في حكايات مقدسة، فالحجر الأسعد حكاية، وموسى الذي ضرب الحجر بعصاه فأنشق البحر حكاية أخرى، وحكاية الحجاج الذين يجمعون الأحجارحكاية غيرهم.
والأحجار في النصوص ليست أي أحجار، فيسميها “عائلة الأحجار” حتى الأشياء الجامدة لديها عائلة وقصة حياة. وبسؤال الكاتب أحمد فضل شبلول عن الأحجار، يقول: “أنا لي كتاب للأطفال من قبل بعنوان (عائلة الأحجار) وروايتي الأخيرة – لم تطبع بعد – بعنوان “زمرد” وهو من الأحجار الكريمة وهو بطل الرواية الذي يزداد وعيه كل يوم حتى يتفوق على الوعي الإنساني. وأنا مفتون بالحجر وقصة فراقه عن الماء في قصة الخلق تشغلني دائمًا. وأعتقد أن الحجر هو الوجه الآخر للماء، بل الماء أحيانًا يخرج من الحجر، كما في قصة موسى عندما ضرب الحجر فانبجس الماء منه. في حين أن الماء لا يخرج منه الحجر، والعكس صحيح. وأحتفظ بمجموعة من الأحجار الجرانيتيتة الصغيرة في مكتبي وهو شديدة النعومة متنوعة الألوان. ولا ننسي أن حضارتنا حضارة حجرية متمثلة في الأهرام والمعابد العملاقة مثل الأقصر والكرنك ودندرة وقد أطلقت على أبي الهول لقب (عميد عائلة الأحجار) واهديته روايتي (زمرد)”.
في ديوان “أحب الحياة” لأحمد فضل شبلول، الديوان الشعري الصادر مؤخرا للأطفال، سيكون القارئ المستهدف في المرحلة المتاخرة من الطفولة، بحيث يمكن مخاطبة وجدانه بأشكار فنية غير الحدوتة. وهو “طفل طموح” لا يحب الحياة ببساطة، لكنه يقوم باكتشاف الحياة فيما يحيط به، يكشف عن الوجه المخبأ وراء أي شيء صامت، كما يتدفق من الحجر حياة: “أحيانا يتفجر منى نهر”.فيخرج الماء من وسط الصخور جاريا كمحبة.
ومن الملفت أن مقدمة الكتاب لم يكتبها ناقد يعرف بالديوان، لكنه المؤلف نفسه أحمد فضل شبلول هو الذي كتبها كبداية تعريفية توضح للطفل ما هو الشعر لكنه أكملها كدراسة وصفية تصنف موضوعات الكتاب وتعطي أمثلة من الدواوين.. وكان من الأفضل لو جاءت في خاتمة العمل بعد القراءة. خاصة وأن الدراسة بدت كأنها موجهه لآخرين وليس الطفل، تقدم نصائحها بأن تكون الكتابة للطفل متفائلة، حتى لو كان الواقع مؤلم ليمهد ذلك لخروج طفل قوي مليء بالأمل. كما أن زوايا الموضوعات كانت مختلفة، لكن الكاتب اعتمد موسيقى تقليدية للعمل وليست مجددة ومختلفة مثل تناوله للموضوعات.
أضاف شبلول إلى نصوص الفصحى في الكتاب نصا أخيرا بالعامية، وما يربطه بما سبقه هو الطموح والمحبة، ومع ذلك بدا نص العامية مختلفا عما سبقه.
وقدمت رشا سالم على الغلاف رسمة لولد وبنت لتكون نصوصا محبة الحياة صالحة للجنسين، ورسمت شمساَ ممسكة بقلب دليلاً على النهار والأمل القادم، وإن غاب القمر رغم حديث النصوص عنه.
عن الكتاب:
اسم الكتاب: ديوان شعر “أحب الحياة”.
المؤلف: أحمد فصل شبلول
نشر في: 2017
رسوم : رشا سالم