شطحات من سينما كوزموس

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   فى حركة غير مسبوقة فى سينما “كوزموس” أو فى أية سينما، خرجت من الشاشة ذراع بطل الفيلم الأجنبي لفض مشاجرة سخيفة، تمثيلية هزلية افتعلها جمهور الترسو بالسينما لشىء يجهله الجميع، ربما كان السرقة، أو الثأر، أو أن أشخاصاً لهم توجهات مريبة كانوا يمارسون تدريبات عنيفة فحواها: كيف يمكن افتعال المشاجرات دون التورط أو الدخول فى مَعْمَعَتِها؟

   الشفرات المرفوعة، مفردات الشتائم المنحطة، الصفير والشَّخْر، الغِل والتدافع، التهديد والوعيد كان فوق كل احتمال. ذراع البطل استطالت، وصلت إلى تزاحم وتلاحم الأجساد، كانت قوية وصارمة، هشت الجميع، دفعتهم دفعاً إلى خارج قاعة السينما، فى نفس الوقت الذى كان فيه البطل داخل المشهد يلهج بسباب وتحذيرات قوية باللغة الأسبانية- لغة الفيلم طبعاً- فيما كانت الترجمة الحرفية باللغة العربية تهبط أسفل الشاشة.

   “اخرجوا يا كلاب… يا حثالة…”

   جلسة رومانسية كانت تضم البطل مع البطلة، هى بشفتين رشيقتين تمتص مشروبها من كأس، وهو يتأمل المصاصة وعذوبة شفتيها شارداً، البطلة سيدة مِمَّن اكتنزن الجمال والخفة، شعر ذهبى غزير دائم الانفلات والثورة، عينان خضراوان فيهما جسارة ودلع، أمسكت بصديقها البطل، أو زوجها، أو عشيقها، وها هى الترجمة الحرفية لكلامها هبطت أسفل الشاشة:

  “لا تشغل بالك يا حبيبى بالحثالة المارقين، فهم مثلهم مثل غيرهم فى كل السينيمات”

  كنت إيجابياً، طموحاً، أو انتهازياً لو أردت أن تقول ذلك، ينبغى الاستفادة القصوى من هذا الموقف الذى ينفلت أمامي كما تنفلت صورة على شاشة بكل فنياتها، بكل روعتها.. أمسكت بذراع البطل وتشبثت بها قبل أن ترتد إلى الشاشة مرة أخرى، فاجأت بطل الفليم بتصرفى هذا، بانت تكشيرته وتخضبت ملامحه بالغضب، راح يرطم بالأسبانية وهبطت الترجمة أيضا إلى أسفل الشاشة:

   “أترك يدى…”

   لم استجب لأمره، كأنى لم أسمعه:

   “أترك يدى…”

   لعله يود أن يتجاوز ذلك الموقف، ليبدأ تكملة الفيلم، ارتد المتشاجرون إلى صالة الترسو مرة أخرى فى كتل كثيفه، يغشاهم الصمت، أشارت البطلة:

   “لقد ارتدوا….”

   كان البطل مشغولا بذراعه التى صارت ثقيلة:

   “أترك يدى…”

   لم يكن أمامه إلا أن ينفضني عن ذراعه كما ينفض شخص حشرة بغيضة حطت على جسده، لكن هيهات، هذه كانت فرصتي لأكون معهم داخل الشاشة. كنت أتشبث بذراعة بالدرجة التى لن يستطع معها أن ينفضنى، لم يجد أمامه إلا أن يسحب ذراعة إلى الشاشة وأنا أتعلق بها.

   أظلمت الشاشة، كان لا بد أن تظلم وتنطفىء ويتوقف عرض الفيلم. لابد أن يكون لى دور داخل الفيلم. هذا كل ما أبغيه، استلزم منى ذلك أن أظهر على الشاشة وحدى، طمأنت الجمهور أن عرض الفيلم سيبدأ بعد قليل، كل رجائي أن تتقبلوا منى القيام بدور سكير فى هذا الفيلم: أتخبط فى لاوعيى، أو وعيى، أو نصف وعيى، وأنا هائج اتطوح، أتخبط فى الجدران، والدواب، والبشر، أمسك الزجاجة من رقبتها، أكون عشوائياً، وبائساً، وقميئاً وأنا أهذى: هات الإزازة وأقعد لاعبنى…

   ما أحزننى أن الجمهور لم يوافق على قيامى بدور سكير، هم دخلوا السينما يبغون مشاهدة هذا الفيلم كما هو، دون أية إضافات، دون أن تُحْشَر أدوار ثانوية أو غير ثانوية فى مجريات أحداثه، وقامت الثورة العارمة الطاحنة، تحطمت فيها الكراسى، امتدت ذراع إلى شاشة السينما، ذراع لا أعرف إلى أى من الأشخاص تنتمى، اخرجتني عنوة إلى صالة الترسو، ولا أعرف ما الذى حدث بعدها، لأننى الآن طريح السرير فى مشفى.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون