شريف عبد المجيد يحلق فى فضاءات عديدة وسماوات أبعد

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

يواصل الكاتب شريف عبد المجيد بحماس وبدأب شديدين خطواته على طريق مشروعه الأدبى والإبداعى وهو مشروع متعدد الأوجه الإبداعية ، لكن قوامه الأساسى هو القصة القصيرة حيث قدم شريف منها عددا من المجموعات بدأت بمجموعته " مقطع جديد لأسطورة قديمة "  ثم " خدمات ما بعد البيع " – وليس مصادفة أن تفوز تلك المجموعة بجائزة ساويرس الأدبية كأفضل مجموعة قصصية فى حينها – وبعدها قدم شريف مجموعتيه " جريمة كاملة وفرق توقيت " ، فضلا عن مجموعته التى بين أيدينا الآن والصادرة حديثا عن الدار المصرية اللبنانية بعنوان  " تاكسى أبيض " وقد قسمها إلى قسمين الأول :  " القبض على سمكة " والثانى: " جرافيتى "  ويضم كل منهما سبع قصص وفيهم يواصل شريف استكمال ملامح مشروعه القصصى بوعى وجرأة  غير عابىء إلا بما يؤمن به من شرط توفر الموهبة والمغامرة للمبدع الذى يبحث عن قيمة فنية وجمالية جديدة يضيفها لتراث ذلك النوع الأدبى الذى يكتب تحت رايته ، 

قصص المجموعة ثرية بالرمز والفاتنازيا وتجمع بين الواقعى والخيالى فى تناغم رائع لايترك لدى القارىء أثرا للشعور بفواصل فنية أو نفسية أو لغوية بين عوالم القصص المختلفة أو حتى داخل عالم القصة الواحدة ، ففى  قصته ” القبض على سمكة ” ص37 تلعب الفانتازيا دورا كبيرا فى كشف الرؤية ونقل هم الكاتب للقارىء ،وإشراكه معه فى الشعور بعبثية الأحداث حينما تهاجم سمكة قرش بعض السائحين لتبدأ الحكومة فى التعامل مع الأمربشكل هزلى وفيها يطرح الكاتب رؤيته وتفسيره للكثيرمن تفاصيل الواقع المؤلم والساخر الخاصة بطريقة إدارة الأمور فى البلاد متخذا من السمكة رمزا أو معادل موضوعى  لكثير من القضايا المماثلة وحيث ساق طريقة التعامل معها وإعلان القبض عليها فى قالب فانتازى ساخر

أما فى قصة ” السيد الذى لا يحب الطيورص41  “وهو السيد ( ولاحظ التسمية ودلالتها )  الذى دفع بما له من سطوة اتحاد ملاك البرج الذى يسكن فيه لأن يوافقوا على قرار اقترحه بقطع شجرة التوت الموجودة أمام مدخل البرج لمجرد أن طيرا من الطيور التى يعشش فيها ألقى بروثه على بدلته حتى أن الأمر لما تكرر قطع الرجل كل أشجار التوت فى الشارع ثم بلغ به الهوس إلى حد مطاردة الطيور فى السماء بإطلاق النار عليها من فوق سطح العقار والترميز واضح ومعبر جدا عن نوع من الناس يعشقون ذواتهم  حد الهوس ، وقد استدعت تلك الشخصية بملامحها النفسية إلى ذهنى شخصية الضابط هشام الذى جسده الفنان الراحل أحمد زكى فى الفيلم السينيمائى ” زوجة رجل مهم “

وكان شريف موفقا جدا فى نظرى عندما اكتفى بالكشف عن بعض ملامح شخصياته تاركا للقارىء مهمة تتبعها وملىء فراغاتها النفسية ، دون الدخول فى متاهة وصف الشخصيات سواء وصفها من الخارج أو من الداخل ، وهو ما يتناسب من ناحية أخرى مع التكثيف المطلوب فى إبداع القصة القصيرة ، وكذلك فعل فى التعامل مع الأماكن وخلافه مكتفيا بتقديم الحد الأدنى من التفاصيل التى تنهض بخيال القارىء وتجعله شريكا فى الحدث ، وبالقدر الذى يسمح للحكاية أن تستمر دون خلل   

لم يهتم شريف عبد المجيد كثيرا بزخرفة سرده ولم يشغله جانب اللغة البلاغى؛ فاللغة عنده ليست هدفا فى ذاتها ، وإنما قطار حمله إلى محطة الرؤية والمضمون المختبىء خلف الحكاية ، وهو لا يكترث إن كان ذلك القطار مكيفا أم  ” قشاش ” شريطة أن يصل به لمحطته المنتظرة فى الوقت المناسب ، والكتاب بشكل عام يختلفون فيما بينهم فى ذلك ؛ فبعضهم يهتم كثيرا ببناء بلاغى  يميل أحيانا إلى الشاعرية وبعضهم يتعامل مع اللغة على قدر الحاجة دون إفراط  وشريف من ذلك النوع الأخير

تميز السرد فى قصص المجموعة أيضا بإيقاعه السريع ، ويتمثل المؤلف فى ذلك   حساسية عصره وطبيعة لحظته التاريخية والزمنية التى يبدع فيها حيث السرعة التى تصل حد اللهاث هى سمة كل نشاطاتنا البشرية الآن الأكل والشرب والحركة والتواصل والاتصال والإبداع ، وهى ميزة تحسب لشريف تثبت أنه يعى تماما طبيعة المرحلة التى يعيشها ويستوعبها ويبدع وفق منطقها ولا يكتب خارج الزمن  

جمع شريف كذلك فى سرده أيضا بين الفصحى السهلة العصرية لغة الميديا بكافة  أشكالها وبين العامية وهى لغة التعامل اليومى والأعمال السينيمائية والدرامية خاصة فى الديالوج وجاءت عاميته خفيفة لصيقة بالواقع بنت شخصياتها ولم نلحظ أى نتوء فى جسد السرد أو حينما كان ينتقل من الفصحى للعامية والعكس فيما ظهر بجلاء من حين لآخر مسحة من السخرية اللطيفة دعت إليها الحاجة دون تكلف أو استظراف أو افتعال ؛ فمثلا حوار أم سارق الونش وهى تتحدث إلى الضابط معترفة على ابنها مثال واضح جدا على ذلك ص54 عندما تقول : ” سيد طول عمره براوى يابيه ، بيخنق القطط وياكل من الزبالة “

وكما فى قصته ” العمل ” لجأ شريف أيضا مستفيدا من إجادته كتابة السيناريو إلى وضع عناوين فرعية وجانبية للمواقف والفقرات السردية داخل كل قصة بشكل كسر حده السرد وأحدث نوعا من الإيقاع الخاص ولفت الانتباه ؛ حيث قامت تلك العناوين بدور أعمدة إنارة على جانبى طريق السرد وهى حيلة ذكية وبارعة كسرت شيئا من الرتابة  وربطت القارىء بالحكاية ودفعته إلى السير فى الاتجاه الصحيح للرؤية التى يسعى الكاتب إلى  الوصول لها ، والأمر نفسه كرره المبدع فى قصته ” سارق الونش “

فضلا عن كل ذلك فإن شريف عبد المجيد مصور بارع أقام عددا من المعارض ويحلم بل يعمل جاهدا على إتمام مشروع عنوانه ” وصف مصر بالصورة ” ؛  وقد كان لى حظ الاطلاع على جانب كبير من منجزه الفوتوغرافى ، وسوف يسهل على من يتأمل لقطاته كما تأملتها رصد صلة قوية بين معظم صوره التى تكتنز داخل تفاصيلها وبين ظلالها قصصا مؤثرة  وبين حكاياته المكتوبة وعالمه القصصى المرتكز على سرد تصويرى للأحداث بشكل يجعل القارىء  يقرأها وكأنه يراها  ؛ فهو يجيد تصوير الحكاية بشكل يجعلها على وشك أن تتحول إلى صورة  ، بمعنى أن بعض قصصه ” نموذج ” هو أقرب ما يكون لمشهد صالح لتنفيذه بالكاميرا بقدر قليل من المعالجة المطلوبة ،وهو ما قام به شريف فعلا عبر عدد من أفلامه ( راجع السيرة الذاتية للمؤلف وأعماله فى نهاية الكتاب )

والحقيقة أن مشروع شريف الإبداعى بشقيه المكتوب والمرئى متلاحم بشكل لافت للنظر وهو أشبة بلعبة بازل تستطيع إذا أحسنت ترتيب مكعباتها أن تستشف ملامح ذلك المشروع ، فالهم واحد فى القصة وفى الصورة وكما سبق أن أشرنا فرؤيته كمبدع ومحاولة تفسيره للعالم يحاول شريف أن يقدمها بأكثر من طريقة  ؛ فلننظر مثلا قصته ” جرافيتى ” ص91وهى قصة شبه حقيقية تحكى عن قصص أخرى سجلتها عدسته فعلا عبر آلاف من اللقطات المصورة وثق بها شريف جرافيتى يناير الذى أبدعه شباب الثورة والذى ضمه مشروعه ثلاثى الأجزاء ” أرض – أرض و الحرية جاية لابد و مكملين ” فهو يحكى بالكتابة قصصا حكاها فعلا  بالصورة ، والشاهد هنا أن مشروع شريف الذى أشرت إليه مشروع يغلب عليه التراسل الداخلى فهو يستفيد من عناصره ببراعة ، كما يكشف المشروع ذاته عن هم إنسانى وإبداعى كبير يحمله الكاتب وهوهم ملح يطارد شريف فى كل أعماله ويجبره على الاستسلام له بإبرازه والتعبير عنه وإفراد مساحة كبيرة له ؛ فمثلا فى الوقت الذى يسعى فيه شريف من ناحية على إتمام مشروعه الفوتوغرافى ” وصف مصر بالصورة  ” استطاع بالفعل من ناحية أخرى ومن خلال المجموعة التى بين أيدينا أن يصف جانبا كبيرا من ملامح مصر وواقعها النفسى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى مكتوبا عبر حكاياته المتنوعة فى المجموعة و قصة ” تاكسى أبيض ” ص77 – على سبيل المثال لا الحصر –  تجسد حالة انعدام الأمان بين الناس بعد الثورة وإذا أضفنا تجربته المسرحية ” حشو مؤقت ” سنجد الكثير من المشتركات بين الصورة والقصة والمسرحية وأهم قاسم هو” الإنسان ” بهمومه وواقعه  وتساؤلاته وحيرته وهو أمر طبيعى جدا بل وضرورى لمبدع يبحث عن تأويل وتفسير خاص به لعالم معقد ومتشابك ، أضف لذلك أفلامه التسجيلية والروائية التى قامت على أكتاف قصصه أيضا مثل قصة ” كونكور فايف ” ص117وقد شاهدت الفيلم الذى حمل العنوان نفسه ، وفيه طرح الرؤية بأبعادها السينمائية بعدما استفاد من آليات ذلك الفن وكأنه بذلك التبادل المستمر يزرع رئات جديدة لرؤيته ويسمح لها بالتمدد ويفتحها على المزيد من التفسيرات والتأويلات ؛ فالصورة السينمائية والتقنيات الإخراجية أضافت  كثيرا للنص المكتوب وهو نجاح يحسد عليه المبدع  الذى يثبت لنا دائما ومع كل عمل إبداعى جديد يقدمه أن لديه هم  حقيقى وصادق وملح بحيث يحضر بهذا الزخم والتعدد فى تجاربه ، وفى ظنى وأنا أتابع منجزه الفنى والأدبى أنه بموهبة وحماس يريد أن يحلق بأكثر من جناح فى فضاءات عديدة وسموات أبعد . 

مقالات من نفس القسم