ممدوح رزق
من ضمن ما يتناوله كتابي النقدي “كيف يُصنع التاريخ الأدبي” والذي أعمل عليه حاليًا تلك الاستفادات المتوالدة التي تقدمها “الشخصية الادبية” إلى الكاتب باعتبارهما هويتين منفصلتين ولكنهما متلازمتين، متقاطعتين ومتداخلتين بشكل دائم، وبكيفية يمكن تمييز صورها كأنماط معرفة أو كليشيهات ثقافية.
الشخصية الأدبية كما تحللها دراستي هي ناتج مباشر وموطِد لسلطة المدينة المركزية أي أن هذه الشخصية تحمل البصمة الواقعية والأثر الرمزي والهيمنة الخيالية للمركز.. الشخصية الأدبية هي ما يكوّن حضور الكاتب مستقلًا عن كتابته ومشاركًا في الوقت نفسه وعلى نحو حاسم في تأثير هذه الكتابة.. تُشكَّل الشخصية الأدبية بواسطة تاريخ من المداومة والإلحاح على ركائز معينة تدعم صورتها وتضمن تطورها في وعي الآخرين.. الركائز التي يمكن وصفها بالادعاءات الشكلية للاعتراف والتفوق.
ما هي هذه الركائز؟.. على سبيل المثال وليس الحصر: الارتياد المستمر للمقاهي الثقافية القاهرية الشهيرة.. مرافقة صحفيين وكتّاب ونقاد ومترجمين معروفين في الوسط الأدبي على طاولات تلك المقاهي.. نشر الصور التي تضمك بين هذه الجماعات من النخبة الثقافية على صفحات التواصل الاجتماعي.
بجانب الاستفادات البديهية الناجمة عن قضاء زمن طويل في تثبيت هذه الملامح المركزية – غير الكتابية – للشخصية الأدبية فإن تأثيرها يمتد لدى القراء بشكل عام وبالأخص لدى أولئك الذين كرسوا جهودهم لاكتساب مكانة “أرقى” وأكثر ربحًا مما يُطلق عليه القارئ العادي استغلالا للوسائط الحديثة مثل “القراء المحترفين” و”القراء النموذجيين” وغيرهم؛ فالقارئ عمومًا ومستثمر القراءة على وجه خاص لديه ذلك الميل النفسي والانتهازي للحصول على ما يُنظر لها كقيمة ثقافية أو منزلة نفعية مستمدة من الشخصية الأدبية (التي تعيش في صور المقاهي القاهرية مثلًا) ومن ثمّ تحظى إصدارات هؤلاء الذين يمتلك كل منهم (الشخصية الأدبية) بالمراجعات والمقالات الغزيرة طمعًا من كتّابها لاكتساب تقدير الذات والشهرة فضلًا عن المكسب المادي بالطبع، وكل هذا يستند بشكل أساسي على منزلة الشخصية الأدبية التي يدوّن القراء عن كتبها عبر الفضاءات المتعددة.
بسبب ذلك – وإضافة للفوائد المركزية الأخرى – تتحقق الوفرة المتراكمة لصفحات الإنترنت والأرشيفات الصحفية والكتب النقدية والأبحاث الأكاديمية التي تتضمن مقاربات لأعمال الكاتب صاحب هذه الشخصية الأدبية؛ إذ أن مقالات ومراجعات القراء الغزيرة ستنتج ما يمثل رأيًا عامًا قويًا يوحي بأهمية العمل وبالتالي يدعي بأنه يمتلك (جماليًا) ما لا تمتلكه أعمال أدبية أخرى لم تحظ ولو بنسبة قليلة من التدوينات التي تناولت هذا العمل الأمر الذي سيجعله محط أنظار ما يتجاوز التقدير القرائي الجمعي نحو البحث النقدي والأكاديمي.. هكذا يتحوّل كتاب الشخصية الأدبية من عمل إلى أيقونة سهلة الاستدعاء عند تناول تاريخ الرواية أو القصة القصيرة المصرية لأن كاتبه كان مجتهدًا في نشر صور جلساته المنتظمة داخل مقاهي القاهرة برفقة الشخصيات الأدبية الأخرى.