سيد حجاب وأغاني مسلسلات تتناقلها الأجيال

سيد حجاب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عاطف محمد عبد المجيد

أول ما تعرفت إلى الشاعر الكبير سيد حجاب، كان في منتصف التسعينيات تقريبًا، وكنت يومها مشاركًا في مؤتمر أدباء الجامعات المصرية الأول، والذي أقيم في جامعة جنوب الوادي. وفي إحدى الأمسيات ألقيت قصيدة لي، وأذكر أنه بحث عني بعد الأمسية ليبدي لي إعجابه بالقصيدة، وبالطبع كان لقاؤه بي مشجعًا ومفرحًا لي، أنا الطالب الذي لم يُنهِ بعْدُ دراسته الجامعية، واستطاع أن ينال إعجاب شاعر كبير مثله.

كان سيد حجاب إنسانًا نبيلا قبل أن يكون شاعرًا كبيرًا وكاتبًا ومؤلف أغان. بل لم يكن مجرد شاعر يكتب حسب ما يمليه عليه شيطان الشعر وكفى، وإنما كان صاحب قضية: كان يدافع في شعره عن البسطاء، والمهمشين، ومنهم الصيادين الذين تعلم الشعر، أول ما تعلّمه، منهم ومعهم.

كذلك لم يكن حجاب علامة في شعر العامية المصرية فقط، بل أيضًا يُعتبر أستاذًا وصاحب مذهب في فن كتابة أغاني تترات المسلسلات، وسوف تظل كلماته لهذه التترات باقية، يتغنّى بها الناس لمئات السنين. لقد كانت له لمسته الشعرية الخاصة به، كان يكتب وكأنه يرقص الباليه، أو كأنه ينحت قطعة أرابيسك بكل حِرفية ومهارة. لقد استطاع أن يُطوّع الكلمات حتى أنه امتلك قدرةَ أن يفعل بها ما يريد، دون أن يجد أدنى صعوبة في هذا.

أيضًا تمتاز تتراته بجمالها وعذوبتها وإيقاعها السلس الذي يجعلها سهلة في الحفظ والترديد. كتب حجاب تترات مسلسلات عديدة وشهيرة، تركت بصمة خاصة لدى المشاهد، الذي كان يحفظ أغنيات هذه المسلسلات من الحلقة الأولى. كتب حجاب كلمات تترات مسلسلات: ليالي الحلمية، بوابة الحلواني، الشهد والدموع، أرابيسك، المال والبنون، الليل وآخره، أوبرا عايدة، من الذي لا يحب فاطمة، أميرة في عابدين، العائلة، الأصدقاء،  الوسية، الأصدقاء، عبد الله النديم، الوسية، وغيرها. 

في كلمات أغانيه يناقش حجاب قضية إنسانية ما سواء كان يتعرض لها المسلسل في متنه أو على هامشه، مستخدمًا فلسفته ورؤيته للحياة، ورسمه لمفردات حياة يتنبأ أن تكون الأفضل، إن وُجدت كما يتخيلها هو بحزافيرها.

ليالي الحلمية

يكتب حجاب في تتر مسلسل ليالي الحلمية فيقول:

” منين بيجي الشجن..من اختلاف الزمن

ومنين بيجي الهوى..من اختلاف الهوى

ومنين بيجي السواد..من الطمع والعناد

ومنين بيجي الرضا..من الايمان بالقضا “.

هنا يتحدث حجاب عن دوران الزمن الذي يصيب الكثيرين بالشجن والأحزان نتيجة لرحيل البعض، وتقلبات العلاقات مع البعض.كما يستنكر بعض المشاعر السلبية كالحقد والحسد وعدم محبة الآخرين، وينتج كل هذا عن قلب أسود يمتلئ طمعًا وعنادًا. أما من يرضى بما قسمه الله له، بعد أن يحاول ويجد، فهو صاحب القلب الأبيض يحب الآخرين حبه لنفسه، متمنيًا لهم الخير في كل نواحي الحياة.

ثم يقول:

” من انكسار الروح في دوح الوطن

يجي احتضار الشوق في سجن البدن

من اختمار الحلم يجي النهار

يعود غريب الدار لأهل وسكن “.

هنا يقول حجاب إن الأمل، متمثلا في مجيء النهار، يولد من الحلم بما هو أفضل، لا من الاستسلام لليأس والإحباط، وهما كفيلان بالقضاء على مجتمعات بأكملها.ثم يؤكد أن الغريب حتمًا سيعود لأهله وداره مهما طالت غربته، لأنه لا يشعر بمذاق الحياة إلا في وطنه وبين أهله.

ثم يقول:

 ” ليه يا زمان ما سبتناش أبرياء

وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع

أقسى همومنا يفجر السخرية

وأصفى ضحكة تتوه في بحر الدموع “.

وهنا يلوم حجاب على الزمن الذي استطاع أن يُغيّر في صفات البشر، ويجعلهم يتحولون من البراءة إلى عدمها، وربما يتلونون بألوان عديدة حسب الوقت والظروف المحيطة، دون الثبات على مباديء وأخلاقيات بعينها.

الوسية

وفي تتر مسلسل الوسية يكتب حجاب فيقول:

” مين اللى قال الدنيا دى وسية

فيها عبيد ملك إيد وفيها السيد

سوانا رب الناس سواسية

لا حد فينا يزيد ولا يخس إيد “.

هنا يناقش حجاب، وبعبقرية شعرية، الفروق بين الطبقات والتي وضعتها ظروف مجتمعية معينة، جعلت البشر سادة وعبيد، على الرغم من كونهم جميعًا خلقوا من مادة واحدة ومتشابهين في كل شيء تقريبًا.إنه يرفض، كشاعر يدعو إلى العدالة والمساواة بين الجميع، هذه التفرقة التي تضع أناسًا في قمة شجرة الحياة، وتضع آخرين في باطن الأرض وهم على قيد الحياة، بعد حرمانهم من كل حقوقهم التي تسطو عليها قِلّة مستبدة وطاغية إلى أبعد الحدود. 

” جينا الحياة زى النبات أبرياء

لا رضعنا كدب و لا اتفطمنا برياء

طب ليه رمانا السيف على الزيف

و كيف نواجهه غير بالصدق والكبرياء “.

يتعجب حجاب في هذا المقطع الغنائي مما آل إليه حال البعض من التحول من البراءة والصدق إلى الكذب واتخاذ الزيف كأسلوب حياة.

” عيش يا إبن آدم بكر زى الشجر

موت وإنت واقف زيه فى مطرحك

ولا تنحنى لمخلوق بشر أو حجر

وشب فوق مهما الزمان جرّحك”.

هنا يُعلمنا حجاب كيف نصون كرامتنا وألا ننحني لمخلوق، مهما كانت سلطته، وأن نعيش ونحن نحمل عزتنا وأنفتنا وكبرياءنا، دون خشية أحد إلى أن نموت واقفين كالأشجار السامقة التي لا تقتلعها لا الرياح ولا حتى العواصف.

” وتستمر الحياة

بين ابتسامة وآه

فيها اللى تاه فى دجاه

واللى ضميره هداه “.

نعم تواصل الحياة سيرها، لكن ليس على وتيرة واحدة، فيوم يحمل لنا ابتسامة رقيقة، وآخر يجيء إلينا مُحمّلا بحزن كبير، وبين هذا وذاك لابد أن نواصل الحياة وأن نتشبث بها قدر المستطاع، حتى لا تهزمنا بعقباتها وعوائقها التي نجدها أمامنا في كل مكان وزمان.

” وكل ضيقة وبعدها وسعة

وأهى دى الحقيقة بس منسية

وكلنا ولاد تسعة وبنسعى

ودى موش وسية الناس سواسية

***

لملم جروحك يا حزين وإمشى

خطوة كمان وتخف آلامك

وإحلم بعين صاحية ولا تنامشى

غير لما تقطف زهر أحلامك “.

ياااه ! كم يبدو سيد حجاب جميلا في كلماته التي يبث فيها روح الأمل الذي يجعل الحياة ممكنة رغم ما تحمله من صعاب وصعوبات وجراح وآلام.

الأصدقاء

في كلماته في تتر مسلسل الأصدقاء يكتب حجاب قائلا:

” آدي إيدي مِد إيدك…جرحي جرحك عيدي عيدك

ود دافي..نبع صافي…شيء كأنه نيل موافي

من وريدي ومن وريدك…يا صديقي مِد إيدك

يا صديق عمري يا صاحب ذكرياتي.. إنتَ كنز أيامي تحويشة حياتي

ومراياتي اللي باشوف جوّاها ذاتي…و تواجهني بعيبي تكشف سيئاتي

تِقسى بحنان و استزيدك…يا صديقي مِد إيدك

أصدقاء و الود موصول فوق زمانّا…بيه آمنّا و له آمنّا و فيه أمانّا

بيه على الدنيا وع الدهر استعانّا…وإن زمنّا خانّا وفي لحظة طعنّا

تستعيدني واستعيدك…يا صديقي مِد إيدك

آدي يدّي مد يدك…قد ودك قلبي ودّك

د انتَ بعد الأهل أهلي..واذا يوم قلبك ندهلي

حتلاقيني بقلبي عندك..يا صديقي مد يدك

يا صديق عمري وأحلامي وعذابي…في ليالي فرحتك عامل حسابي

في ليالي وحدتي بتدق بابي..وعمر باب قلبي ما صدّك

يا صديقي مد يدك

أصدقاء والود موصول فوق ظروفنا..مهما نبعد مهما طوفنا مهما شفنا

في ساعات شدتنا وقلقنا وخوفنا…تستعيدني و استردّك

يا صديقي مد يدك “.

في هذه الكلمات يُعلي حجاب من قيمة الصديق ودور الصداقة في حياتنا، مسلطًا الضوء على ما تفعله الصداقة في حياتنا، إذ بها نتغلب على ما يقابلنا من هموم ومشكلات، جاعلين معًا، وبأيدينا المتماسكة، حائط صد لأية طارئة تريد النيْل منا.لقد جعل حجاب الصديق مرآة يرى فيها صديقه الآخر ذاته بما فيها من عيوب وميزات.

الشهد والدموع

في أغنيته لمسلسل الشهد والدموع يقول حجاب:

” تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب

كلنا بنجرى ورا نفس السراب

كلنا من أم واحدة..أب واحد..دم واحد

بس حاسِّين باغتراب

من حنان الحب هل الغل جانا

من مرارة الغل جلجل صوت رجانا

نبكى من الغل اللي بيعكر حياتنا

ولا من الحب اللى هدهدنا وشجانا

يا زمان الغربة ليلك بيحاصرنا

وفى ضلامه المر طاوينا وعاصرنا

بس طول ما الحب بيرفرف علينا

الجدور حنمدها ونصنع مصيرنا

***

نفس الشموس بتبوس على روسنا

نفس التراب يحضن خطاوينا

طب ليه بنجرى ونهرى فى نفوسنا

وليه نعيش ناكل فى بعضينا

آدى الحقوق وآدى اللى طالبينها

والحق تاه فى الباطل البطال

لوقلوبنا تاهت عن محبينها

ونجومنا عالية بعيدة ما تنطال “.

هنا لا يكتب حجاب مجرد كلمات لأغنية يُتغنّى بها في مسلسل، بل يبث من خلالها جرحه الذي أصابه نتيجة لانتشار الغل بين البشر القادمين إلى الحياة من أب واحد وأم واحد، وينتظرهم المصير نفسه.إنه يتعجب متحسرًا من أحوالهم التي جعلت بعضهم يأكل البعض الآخر.

أميـــــــرة فى عابديـــــــــــن

أما في كلمات أغنية مسلسل أميرة في عابدين فيكتب:

” مين اللى قال مكتوب علينا الهوان…لا الدنيا سيرك ولا الزمان بهلوان

شي الله يا طاهرة يا رئيسة الديوان…آن الأوان نبقى احنا آن الأوان

وآديكوا يا ولاد الأصول شاهدين…وآدى” أميرة” أميرة فى عابدين

ياللى الزمن خدكم لفوق فى صعود…ورجع وخان أحلام كبيرة ووعود

عودوا لأصولكم ياللا للأصل عود…ده اللى يمد جدوره يشتد عوده

حكمة وقالوها جدودكم الخالدين…وآدى “أميرة” أميرة فى عابدين

زيح عن عينيك غيم الظلام والضلال…وعيش وعيد زمن البراءة القديم

وخد اللى ليك يغنيك مادام مال حلال…وتستقيم تبقى فى نعيم مستديم

يا قلبى ده احنا وبكرة متواعدين…وآدى” أميرة” أميرة فى عابدين “.

هنا ينفي حجاب تهمة الهوان التي كُتبت على البعض، داعيًا إلى العودة إلى الأصول وإلى زمن البراءة بعيدًا عن غيوم الظلام التي يغرق فيها كثيرون جهلا وضلالًا.

مـــن الذى لا يحــــب فــاطمـــــة

” بين ريح وأمواج متلاطمة…واسود غطيس واصفر رنان

مين اللى ميحبش فاطمة…لو فاطمة طاقة شوق وحنان

من غربتك فى ديار أهلك…لغربتك فى بلاد الله

لو ضى قنديل زهزهلك…مش ترمى كله وتجرى وراه

مين اللى ما يحبش فاطمة

يا هل ترى يا نور يا بعيد…انت بصحيح ولا انت سراب

وهاعيش معاك فى الضى سعيد…ولا غريب ما بين أغراب

مين اللى ما يحبش فاطمة “.

حجاب يقارن هنا ما بين العيش على أرض الواقع وبين التطلع إلى حياة الوهم والسراب.إنه يريد أن يفطن كل منا إلى موضع قدمه حتى يُهيأ له أن يعيش سعيدًا بين أهله وأحبابه، وليس غريبًا تائهًا في دهاليز الغربة ومتاهاتها التي لا يُكتب الخروج منها بسهولة.

المــــال والبنــــــون

” قالوا زمان دنيا دنية غرورة…وقلنا واللى تغره يخسر مصيره

قالوا الشيطان قادر وله ألف صورة…قلنا ما يقدر ع اللى خيره لغيره

إيه معنى دنيتنا وغاية حياتنا…إذا بعنا فطرتنا البريئة الرقيقة

وازاى نبص لروحنا جوة مراياتنا…إذا احنا عيشنا هاربانين م الحقيقة

المال تجيبه الريح وتاخده الهوايل…أما البنون يوم الحساب بيفوتونا

مال ايه؟ ده لو كان مال قارون كله زايل…ولا غير عمايل الكون ياهووه انجدونا

ومين نكون ان بعنا يومنا و ماضينا…وازاى نعيش إذاكنش بكرة يراضينا

وازاى ننام من غير ما نحلم ببكرة…وبكرة ده منين ييجى إلا بإيدينا

بحلم وافتح عينيه…على جنة م الإنسانية

والناس سوا بيعيشوها…بطيبة وبصفو نيه

أحلامى تصلبلى ظهرى…ويروق ويصفالى دهرى

ويلالى زهرى وجواهرى…لكل ناسى وليه

لا المال نور طريقى…ولا البنون بلوا ريقى

عملى فى حياتى رفيقى…فى وقفتى الأخرانية

يا دنيا مهما تضرى…غيرى مسيرك تمرى

وبعد مرى تسرى…نفسى العفيفة الغنية “.

هنا تفوح كلمات حجاب حكمة تنم عن خبرة كبيرة بالحياة وبالبشر، كما توحي برحلة كبيرة في تأمّل الوجود ومغزاه بكل تفاصيله ومفرداته.حجاب لا يجد معنًى للحياة بعد فقداننا لبراءتنا وفطرتنا السوية، كذلك لا معنى لها بدون أحلام تمنح الإنسان الرغبة في مواصلة الحياة.أيضًا يرى أن ما يقدمه الإنسان من عمل هو ما سيقف بجانبه في حياته وبعد موته، فيما يتخلى المال والبنون، أحيانًا، عن الإنسان تاركين إياه في غابات الوحدة والعذابات.                                                 وبعد هذه القراءة السريعة في كلمات أغاني سيد حجاب التي كتبها لتترات المسلسلات، نجده ينحاز طوال الوقت للإنسان النقي الذي يحب وطنه ويتفانى في نفعه، مطالبًا بحقه في الحياة التي لن تستقيم بدون عدالة ومساواة بين الجميع.محتفيًا بكرامته وبدوره الإنساني في المجتمع، حاثًّا إياه دائمًا على عدم فقدان الأمل، وعدم الرضوخ للهوان، دافعًا إياه دفعًا لمحبة الجميع وللثورة على كل وضع خاطيء، أو فساد ينهش في جسد المجتمع كالسوس الذي لا يرحم أي شيء يصادفه في طريقه.  

مقالات من نفس القسم