سوشي

art
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حنان سعيد

منذ أن صافحتْ عيناي السوشي وأنا أنظر إليه بتوجس، كوجبة فضائية لا تليق بإنسان. دائما يعتريني الخوف من تجربة الأطعمة الجديدة، أتذكر “سلوى خطاب” في مسلسل “سجن النسا “عندما ذاقت السوشي لأول مرة فبصقته بقرف فورا في وجه مضيفتها، أبتسم دائما لهذه اللقطة وأحسدها لشجاعتها.

في كل الأحوال  كنت سأبتلع القضمة الأولى سواء أعجبتني أم لا كما ابتلعت الكثير من قبل، صمدت روحي لكن جسدي لم يصمد، كانت انتكاساته المتتالية تمردًا صامتًا  لم يجرؤ يوما على الإعلان عنه.

في ريبة وتمهل أتذوق أول قضمة، لوهلة لم أفهم ماذا تناولت، كنت بحاجة لقضمة ثانية وثالثة لأتأكد من الإحساس لكن هيهات مع كل قضمة يستيقظ إحساس جديد، حلو كأول قبلة، حار ملتهب كأول رشفة من كوب الشاي، شعور قائظ، أعصاب جديدة تصحو عقب إغفاءة طويلة تتلمس أنواعاً مدهشة تتعاقب المشاهد، إحساس يرميك للذرا وآخر يلقيك على السفح، يتدفق بضراوة، الحاد، الناعم، المالح، البارد، اللاذع، الحريف، الحلو، الحامض، عدة صواريخ تخترق الدماغ مباشرة، صفعة ثم صدمة تلو صدمة تتلهف حواسي للمزيد، رغبة عارمة في القفز من  علو  قطبي شاهق إلى مياه دافئة استوائية، تعج بروائح الفاكهة والنارنج، قفزات متتالية من الفضاء ثم الزحف على رمال رمضائية كما لوكنت تزحف على حواف سكين، حراشف خشنة ثم ملاءات حريرية، يتم بسترة أحاسيسى،  صراخ من أعمق نقطة داخلي تكاد تلمس قيعانه وتعبث في شعابه المرجانية وتصعد بها للأعلى، شهيق لاهث يكاد يبلغ التراقى ثم الاحتفاظ  بأنفاسك تحت الماء لأقصى ما يبلغه النَفَسْ.

 كم مرة جربت كل إحساس منها منفرداً لكن هذه الحزمة من الأحاسيس الملغزة جربتها معه وحده فقط، وتبقى منها ما يتبقى عقب لذعة الطعام الحار على اللسان، وفقدان التذوق ثم الخدر الذى يزحف ببطء من القلب لباقي الحواس، أتذكر صديقي الذي قال لي:  “إذا تعرضتِ يوماً لصدمة ضوضاء وشعرت بعدها بالطنين فتيقني أن العصب قد مات”، كل إحساس معه كان بمثابة صعقة مصغرة يرجف فيها البدن ثم يسكن سكوناً يبدو سرمديًا لكن لا يعود بعدها شيء لسابق عهده.

ماذا دهاكِ يا أنا ؟ أما اكتفيتِ؟،  السوشي الوجبة المحبوبة المفخخة للعشاق الذين يتوقون للحب بلا حبيب لإيقاظ الحواس النائمة بلا تأثير إنساني، التهمت آخر قضمة من السوشي، أتامل آخر ما فيها من ألوان الجزر، الأفوكادو، الخيار، الأرز، السلمون، ورق النوري كل ألوان الدنيا معركة داخي بين الدوبامين والسيرتونين يستغيث  الاكسيسوتين ، تتلاشى الأصوات من حولي، وتبهت الأضواء، تخبو الألوان شيئا فشيئا، يجمع الندلاء الأطباق الفارغة،  يلملمون بواقي الطعام، يرمقونني بفراغ صبر، أحمل جسدي الثقيل وأغادر خاوية من كل شيء.   

مقالات من نفس القسم

علي الدكروري
تراب الحكايات
موقع الكتابة

المارد

amr al batta
تراب الحكايات
موقع الكتابة

الهانم